يسوق الله لنا التثبيت من حيث لا نحتسب، قلوبنا الهشة ونفوسنا الضعيفة تلقى العون من الله دومًا، ويُنير لنا الله فكرةً تبصِّرُنا وتصبِّرُنا.
لطالما تفكّرنا بصفات الباري جل في علاه، نعيشها ونأنس ببارئنا؛ لكن يمرّ عليك وقت تكون أشدّ حاجة للتفكُّر بها، وأكثر عطشًا لتُسقى من ريّها.
تراسلني صديقة، فتقول:(سلامُ الله عليكِ ورحمته وبركاته، نور، حدثيني عن الله تعالى من فضلك لا يوجد تقييد أخبريني أي شيء.)
لبرهة ترى الأمر عادي، صديقة تراسل الأخرى وتطلب منها أن تحدّثها عن الله؛ لكن الأمر أعمق من هذا، الموقف مهيب؛ هذا الله، وهذا ما سأخبر به عن الله. وقفت أفكاري: ماذا عساي أكتب؟!
فتحت هاتفي وهممت بالكتابة:(هو الحكيم.نحاول فهم صفة الحكمة لله تعالى، ومهما حاولنا لا نفلح؛ فعقلنا قاصر لا يملك استيعاب حكمة مولانا. هو الحكيم؛ يعطي لحكمة، يُنعِم لحكمة، يُرضي لحكمة، يمتحن لحكمة، يبتلي لحكمة، يمنع لحكمة. حكيمٌ ربي جلّ في علاه.
هو العليم.عليم بما يصلح لنا، وبما لا يصلح، عليم بما في قلوبنا، عليم بسرنا وجهرنا، عليم بفرحنا وحزننا، عليم بخوفنا وطمأنينتنا، عليم بما يقلقنا، عليم بدعائنا، وعليم بحاجتنا.حكيمٌ وعليمٌ مولانا، وهذا من أكثر ما يطمئن قلب المرء.
مهما ضاق الحال، فهو الله العليم. لا يغيب عنه حالي، تصله استغاثاتي وندائي، يصله دعائي؛ لكنه حكيم، يؤخرني لأجل يعلم أنه هو الخير لي، يدربني على القوة، يدربني على الصبر، يريدني أمَةً قوية صبورة، يبتليني ليرى صدقي وتوكلي عليه مولاي، وفرجه قريب، قريبٌ والله.
يدبّر الأمر من السماء للأرض، دبّر أمري بالخفاء، وبحكمته قدّر لفرجي وقتًا ما، أخّر فرحي لوقت ما. ولا بأس، فربي حكيم عليم، رحمن رحيم، لطيف خبير، يعطينا امتحاناتٍ ليرى ثباتنا وصدقنا، يمنعنا ليعوضنا ويجبرنا.
إن أمر الله كله خير، وإن عوض الله آتٍ لا محال، وإن جبر الله لنا لقريب، وإننا نداوم على قرع بابه ولن نبرح؛ إما نبلغ وإما نبلغ، متوكلين عليه، مستأنسين به، راجين عفوه وجنته وواسع فضله، ومنتظرين لجبره ومنته علينا في الدنيا والآخرة. ولن يخذلنا الله، ولن ينسانا الله.
هو ربنا، لن يكلنا لغيره ونحن نرجوه، لن يمنعنا ونحن ندعوه، لكن اقتضت حكمة مولانا أن نمنع الآن ونؤخر، وسيأتي الله بنصرٍ قريب وفتح مبين وجبر عظيم).
أتأمّل فيما كتبت، ولعلّي كنتُ بحاجةٍ لأكتب هذا أكثر من حاجة صديقتي لقراءته، أقول لك أن الله يسوق لنا التثبيت من حيث لا نحتسب، ويبصّرنا بما فينا بكيفية لا تخطر لنا.
وسبحان الله ما أكثر حاجتنا لمدارسة أسماء ربّنا العظيم والتثبُّتَ بها! فله الحمد أنْ علّمنا عنه وما تركنا حائرين لا ندري من ربّنا، له الحمد أنْ جعل قلوب عباده تذوب شوقًا للقائه وتذوب حبًّا وإجلالًا له ولأسمائه وصفاته.