ها هي رِكاب رمضان قد قاربت على الرحيل؛ حاملةً أسماء الصادقين الفائزين المقبولين عند الرحمن الرحيم. وها هي السجلات قد تهيأت لتُطوى حافظةً للطائعِ اجتهاده، ومدونةً للعاصي اغتراره. وها هو هلالُ شهره قد عاد كالعرجون القديم وهو الذي قبل أيام كنا ننظرُ إليه ونقول (ربي وربك الله) ونسأل الله من خير شهره.
و هكذا الأيام دواليك، يودع ابن آدم فيها أياماً ويستقبل أخرى فينقُص عمره من حيث ظَن ازدياده، والفطِن منا من بارك أيامه المعدودة، وسنينه المحدودة بالطاعات؛ فيقطع في صدقه مع الله ما ضاقت به الأعمار الطوال، وما عجز عنه المعمرون المشتغلون بغير الله.
إنّ انصرام الأيام لتذكرة لكل من له قلب لا زالت فيه حياة، إنّ هذه التقاويم التي تمضي كأنها لحظات لكفيلة بأنْ توقظ نفوس ركنت إلى الدنيا لو كانت تعقل مما حولها شيئا، وإنّ حُزن النفوس المؤمنة الممزوج بفرحها بفضل الله ورحمته بإدراك هذه المواسم ونفحاتها لهو الوقود لقلوبها المُحبة طوال العام.
إنّ الرابح منا لا يودع رمضان؛ بل هو الذي يحمله معه في كل عامه، فيتعاهد مصحفه، ويُظمئ هواجره، ويسقي قلبه بذكر ربه، ويتقلب في معيته وقربه ليل نهار.
إنّ المحب يَجِدُّ في المواسم فوق جِِدِّه، وينصب لعبادة ربه معترفاً له بفقره، ويتخذ منها قُربات عند الرحيم مُضافة للقُرَبِ التي عنده؛ فيزداد فوق الإحسان إحساناً، وتعلو به الرُتب عند مليكه العليم بحاله. فهو خارج رمضان مُحسن مع ربه ويزداد في رمضانه إحسانه، فهو مُحب لربه صدَق في حبه له وفعاله تدل على مقاله.
ألا يا مودِعَاً شهر الإيمان، فلتسكب على مضيه العبرات؛ فربما لا تدركه بعد عامك هذا. فاختمه بالاستغفار من التقصير الذي لا ننفك عنه ولو اجتهدنا، ودعاء الله أن يمُنّ عليك بالقبول، والفرح برحمته سبحانه بما أفضل عليك وأجزل، وبما هداك للإسلام.
عاهد الله قبل انقضاء هذه النفحات أنك على عهده باقٍ ما استطعت إلى ذلك سبيلا، ادعوه أن يُعمر جميع أيامك بالطاعات، وأن لا يجعل هذا الشهر المبارك آخر عهدك بقربه، وأن يُحييك على الإيمان ويحفظه في قلبك حتى تشهد بفضله قابل رمضان.
إنّ الرابح منا لا يودع رمضان؛ بل هو الذي يحمله معه في كل عامه، فيتعاهد مصحفه، ويُظمئ هواجره، ويسقي قلبه بذكر ربه، ويتقلب في معيته وقربه ليل نهار.
