تبدأ القصة من فتاةٍ بلغت العشرين أو تجاوزته، وها هي مقبلة على الزواج وما يزال عقلها يتمرجح بين مراجيح النسوية والمسلسلات الرومانسية.نشأت كغيرها وفتحت عينيها على صنم التلفاز المعلق على جدار غرفتها، ففرغ عقلها وقلبها من الغايات النبيلة والأهداف السامية، وحلّ محلها التفاهة وتقديس الذات.
تلقت منه مفاهيم الزواج والغاية منه، لم تستقِ تلك المفاهيم من المنابع الصافية من كتاب وسنة وسيرٍ للسلف، لعلها شاهدت تلك الأم التي تخلت عن أطفالها لأجل الوظيفة التي استعبدتها ولأجل دراهم معدودة، أو تلك التي رمتهم للخادمات توفيراً لوقتها الضائع بين المقاهي والنزهات والأسواق وغيرها كثير، فتكررت تلك الصور عليها؛ وما تكرّر تَقرّر.
لم تسمع أو تقرأ عن أمهات نذرن أعمارهن لله، فأخرجن للأمة أعلاماً يُهتدى بها ويُقتدى، أو تلك الأم التي قدمت أولادها قرابين لله، فاكتحلت عيناها بدمائهم الشريفة التي أُوقدت بها مشاعل نصر الأمة. هي لم تعرف تاريخها الزاخر بتلكم المجاهدات الأبيات اللاتي بذلن الغالي والرخيص؛ ليُخرج الله منهن ذريةً تكون نصراً للأمة والدين.
تزوجت وهي تظن أن الزواج “عقد” كغيره من العقود، يبدأ بوردة حمراء ولا هدف منه ولا غاية واضحة، ثم متى ما زالت أو تعرضت لذتها للخطر؛ كان لها الحق في فسخه وتركه -هو ونتائجه من ذرية- تذروه الرياح بخلع أسهل لديها من شربة ماء.
لم تتعلم أن تكون أُماً تتربى على يديها الأجيال، وتُصنع في بيتها القادات، وتصدح المساجد بتراتيل أصوات شجية كانت يوماً ما بين هذه الجدران تتعتع بسورة الإخلاص وتحاول حفظها وإتقانها.
إننا اليوم بحاجة -أكثر مما سبق- لنساءٍ لسن نُسخاً مُكررة لسابقاتِهن، إن الأمة تحتاج نساء عرفن قدرهن في الإسلام؛ فلزمن الثغر وأقمن عليه فلم يبرحنه حتى أشعلن بهمتهن فتيل النصر ببذر بذور جيلٍ تشبع معاني العزة بالدين؛ ففاض بها لمن حوله.
إن الأمة بحاجتكِ، وبحاجة رعايتكِ لهذا الجيل؛ لتكوني أمّاً اقتفت أثر الصحابيات ولم ترضَ دونه سبيل. فلا تبرحي أيا مسلمة آمنت أن ثغر التربية العظيم يساوي الخير العميم والنصر والتمكين، واعلمي أن الزواج الذي لا يُرجى منه ذرية صالحة مُصلحة تنفع الدين فلا خير فيه ولا يُعول عليه.
فاعرفي قدركِ كراعية لجيل نأملُ فيه معاني العزة والنصر المبين إن كُنت خير راعيةٍ له، فلئن يُخرج الله من بيتك نساءًا ورجالاً عرفوا للدين حقه وأقاموه حق إقامته؛ لهو خيرٌ لكِ وقُرة عين ستُسرين بها حين الورود على الملك الكريم .
فيا ابنة الإسلام هذا ثغرُكِ فالزميه، وهذا ميدانُكِ فسددي الرمي فيه.