ما بالنا مُترفين!

|

ما بالنا مُترفين!

صدق رسولنا الكريم بقوله “الدُّنيا حُلوةٌ خضِرةٌ”، فهي مليئة باللذات والمتع والنعم التي أنعم الله بها علينا؛ لكن هذا الزمان انتشر فيه التوسع في الحلال والزيادة من الملذات والنعم لدرجة الترف.

الترف المقعد عن الأعمال الصالحة، والمجلب لحب الدنيا وتشربها في القلب، والمُعَبِّد لغير الله، الذي يشغل المرء بتحقيق السعادة. وهو أيضاً قد يؤدي بالمرء إلى الاعتراض على أقدار الله تعالى؛ فهو إن رزقه الله وأنعم عليه يقول ربي أكرمني لأنه يحبني، وإن قدر عليه رزقه فيعترض ويتسخط ولا يصبر على البلاء؛ لأنه تعود الترف والتنعم ولو كان زاهداً راضياً بقليله لتقبل ما أصابه بل وحمد الله عليه.

مع أن التوسعة في النعم على العباد إنما هي إختبار وامتحان من الله تعالى

 ﴿لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾. 

إذاً فهي امتحان من الله تعالى هل سيؤدي شكر نعمته؟ هل سينفقها في مرضاته؟ هل سيرعاها حق رعايتها؟ هل سيصبر على سؤاله عنها في الآخرة؟

﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾.

ولو كانت عاقبة الترف زوال النعم الأخروية فقط لكفت

﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا﴾

أي أنه سيأتي بأقوام يوم الحساب فيَسألون عن حسنات كانت لهم لا يرونها فيُخبرون أنهم أفنوا تلك الحسنات بتنعمهم بأنواع النعم في الدنيا؛ ولذلك كان يحرص الصحابة أشد الحرص على التقلل من التنعم في الدنيا.

ومن صور ذلك الترف: المغالاة في الاهتمام بالمأكل والمشرب؛ كعدم أكل إلا الطعام الطازج حتى لو كان سليماً وقابلًا للأكل، أو اقتناء أفخم الأواني والأدوات، أو الأكل في أفخم المطاعم ذات الأسماء العالمية بل وحتى حجز موعدها قبلها بمدة. ومنه: المبالغة في الملبس وليس أي ملبس إنما يجب أن يكون من أفخم المتاجر وأغلاها ثمنا؛ بل وقد يتعدى الأمر إلى أن لا تُرتدى القطعة مرتين أو لا يُلبس إلا من أماكن معينة بناءاً على طلبية خاصة تُطلب شخصياً. ومنه: المبالغة في التنظف والتزين والاهتمام بالنفس والشعر، الهواتف المحمولة والسيارات واكسسواراتهما، حفلات الزفاف والعزائم والولائم، المنازل وأثاثها. ومنه: المبالغة في اللعب المباح والترفيه والترويح عن النفس. فكل تلك الأمور تعدت فائدتها والغرض الأساسي منها وأصبحت مدعاة للتفاخر والتباهي والزينة.

وليس بالمقصود أن يتخلى المرء عن أمواله وتجارته وممتلكاته؛ بل من الممكن أن يبقى محافظاً على كل ذلك ولا يكون مترفاً؛ فينفق على أهله وولده بالمعروف ويتصدق على الفقراء والمحتاجين. وقد بلغ النبي أن بعضاً من أصحابه يريد أن يتعدى الزهد المشروع فغضب لذلك وقال: “أَمَا واللَّهِ إنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وأَتْقَاكُمْ له، لَكِنِّي أصُومُ وأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وأَرْقُدُ، وأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي”.

حقيقة الزهد بألا يكون القلب معلقاً بأمور الحياة؛ فتكون الدنيا في يده لا في قلبه.

وقد قال صلى الله عليه وسلم : “وَاللَّهِ مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُلْهِيَكُمْ كَمَا أَلْهَتْهُمْ”

حقيقة الزهد بألا يكون القلب معلقاً بأمور الحياة؛ فتكون الدنيا في يده لا في قلبه.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة