لا تحدثني عن مثاليات؛ فحال الواقع يُرثى له

|

لا تحدثني عن مثاليات؛ فحال الواقع يُرثى له

كلنا يرى أحوال السلف في الزواج والتزويج؛ يسرٌ في المواصفات، يسرٌ في المهور، يسرٌ في المعيشة. حتى أنّك تتعجّب من أحوالهم، وتتمنى لو أنّ الزّواج لدينا بذات الحال: حلالٌ يسيرٌ وحرامٌ بعيد واعتمادٌ على الخُلُق والدين.

لكن ماذا لو أتينا لنطبّق هذا على واقعنا؟

تُحدِّثُ بأخبار السّلف من حولك، ساخطًا على الواقع وعلى معايير الطّرفين في الزّواج -وأنا لا أتطرّق أبدًا لمن يضع معايير دنيويّة وماديّة؛ لا، جلّ كلامي لمن يضع معايير لا يقبل أقلّ منها في الدّين والخلق-.

الأمر ليس بزيجة والسلام، ليس أمنًا وسكنًا متوقّعان بحيث يعلم كلّ طرفٍ ما له وما عليه ويقوم بواجبه تجاه ربه ويعظّم الإسلام حقّ تعظيم. لا!

السّلف كان جلّهم فيه من صلاح الدّين والخلق ما فيه، ويكفي التماس بعض القبول بين الزّوجين لإتمام الزّواج.

أُريده/ـا ملتزم/ـة…

تعال وانظر للتفاهات التي تُعلَّق على هذا الكلام ومن يقوله. ابتداءً بمن يرى الأمر بعين السخرية والاستهزاء لأنّ الواقع تغيّر ولسنا بزمن الصحابة وعلينا مواكبة العصر متناسين شأن الدّين، مرورًا بمن يحسب الالتزام صلاةً وغطاءَ رأسٍ فقط ويراكَ متطلِّبًا لا يعجبك عجب إن كنت رفضت من حاله/ـا هكذا، وانتهاءً بأهل الالتزام -عفا الله عنهم- ممن يرى نفسه داعيًا لتيسير الزّواج بالتّقليل من شأن من له طلبات معينة في التزام الزوج/ـة ومتجاهلًا حال الأمّة الذي يرثى له من فساد؛ بحجّة أنّنا من أين سنجد ابن عمر وابن حنبل.

تعال للواقع الفلسطينيّ مثلًا، ولا أحكي بفم حاقدٍ ولا متسخِّط، لكن تعال وانظر للملتزمين بصلاتهم، انظر للملتزمات بحجابهنّ كما أمر به الله لا كما عرفه الناس، انظر لمن يترك سماع الموسيقى، انظر لمن يتحرّى رضى الله في كلّ أمره، لمن يعظّم أمر الله ولا يخرج عن شرعه، لمن يحكّم الإسلام في تعاملاته كلّها، لمن يعظّم الشّرع ولا يستهزء به -بوعيٍ أو بلا وعي-. انظر لمن يعيش منهم بالإسلام وللإسلام، ومن لا يخفق قلبه إلّا بـ “لبيك لا عيش إلا عيش الآخرة”. أتراهم الغالبية أم القلّة؟

هل من صلاح الحال بهذا الحال أن يتنازل المرء عن مواصفات الالتزام التي يريد توافرها بمن يريد إكمال حياته معه؟ هل يمكن أن نعتمد فقط على شعور بالراحة دون الالتفات لحال دينه وخلقه ظانّين أن دينه قويم وخلقه قويم؟ هل حال شبابنا وشابّاتنا كحال السّلف لنقول ذلك؟

لست بيائسة من التّغيير، ولست ضدّ تسهيل الزّواج؛ بل العكس، فكلّي رجاءٌ أن يعود الأمر لحاله السّابق، وكما قال الإمام مالك رحمه الله: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها).

لذا؛ فقبل الدعوة لذلك علينا الإصلاح، علينا إعادة الأمّة لما به صلاح حالها كلّه، علينا ربط القلوب بهدي القرآن وهدي نبيّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم وهدي الصّحب ومن تبعهم بإحسان. علينا إحداث تغييرٍ في النّفوس وتقويم الاعوجاج فينا. علينا قلب المعايير والدعوة للتّغيير؛ أمّا التّنظير ومقارنة الحال بحال من سلف والتّحسُّر فحسب لن يُجدي نفعًا.

الأمر ليس بالسّهل؛ ولكنّه ليس بمستحيل، أصلِح البشر يصلُح سلوكهم، اعمل على التّغيير الحقيقيّ وتذكّر أنّ التّنظير لن يغيّر شيئًا؛ تحرك واصنع تغييرًا حقيقيًّا.

والله وليُّ التّوفيق، وغفر الله لنا وتجاوز عنّا.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة