وضع الفتاة لصورتها علىٰ صفحات الفيس بوك، أو المنتديات والمواقع الإلكترونية؛ محرم؛ وذلك لأمور عدة:
أولًا:
أن هذا منافٍ للستر الذي أُمِرَت به المرأة في الكتاب والسنة؛ فإذا كان الله عز وجل قال في حق أشرف النساء وأبعدهن عن الريبة -وهن نساؤه صلى الله عليه وسلم-:
{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53]
وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[الأحزاب: 59]
ونهىٰ عز وجل المرأة أن تخضع بالقول؛ فقال تعالىٰ:
{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقّيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب/32]
فقد شرع سبحانه وتعالىٰ علىٰ نساء النبي -صلىٰ الله عليه وسلم-، وعلىٰ نساء المؤمنين عامة- الحجاب؛ تطهيرًا لقلوب المؤمنات، ورفعة لهن عن مواطن الفتنة والتهمة، وتحصينًا لفروجهن، وفروج عباده المؤمنين؛
فإذا عُلم ذلك؛ اتَّضح أن وضع المرأة صورتها؛ فيراها البر والفاجر في مثل هذه المواقع؛ مما ينافي ويعارض شرعه سبحانه وتعالىٰ.
ثانيًا:
أن ذلك باب فتنة وشر للمرأة، ولمن يشاهدها؛ فكم سمعنا وقرأنا عن قصص مؤلمة بسبب ذلك؛ فكم من طاهرة عفيفة وقعت في حبال من لا يخافون الله؛ من الفجرة الذين يغرونها بلفظٍ منمقٍ، وكلام معسول، ووعود تطول، حتىٰ إذا قضوا منها حاجتهم؛ قلبوا لها ظهر المجن؛ فلم يبق لها من ذلك إلا الخيبة، والحسرة، والخسران؛ وربما فضيحة الدارين -والعياذ بالله-.
وكم من فاجر تلاعب بتلك الصور، ودبلجها بوسائل حديثة؛ فإذا بوجه الشريفة يوضع علىٰ جسد فاجرة، وبائعة هوىٰ رخيصة؛ فحينئذٍ تعض أصابع الندم؛ بما جنت علىٰ نفسها وأهلها، ولات ساعة مندم.
ثالثًا:
ما ذكرت من أن بعض الأخوات المحجبات تعتقد أن وضع صور لهن بالحجاب غير ممنوع شرعًا؛ إن كان مرادك بالحجاب: “الحجاب الشرعي، الساتر للوجه والبدن كله، الذي لا يظهر فيه ظفر من المرأة”؛
فمثل هذا غير ممنوع شرعًا، خاصة عند الحاجة إليه؛ لكن هذا – قطعًا – غير مراد؛ لأنه غير نافع لصاحبه؛ فما قيمة وضع صورة لسوادٍ لا يبدو منه شيء؟!
وأما إن كان المراد بذلك وضع صورة المرأة وقد كشفت وجهها، ولو سترت بدنها كله؛ فقد بينا حرمة ذالك وما فيه من المفاسد التي تكفي للمنع منه، حتىٰ ولو لم نقل بوجوب ستر المرأة لوجهها؛ فكيف إذا كان ذلك واجبًا؟ خاصة أننا في زمن الفتن، الزمن الذي اتفق الأئمة جميعهم علىٰ وجوب النقاب فيه بلا خلاف؟
فالإثم هنا يكون مضاعفًا، والخطر أشد، وهي بهذا تخرق ما اعتاده نساء المؤمنات في عصورهن.
قال الغزالي رحمه الله في: (إحياء علوم الدين 2/53): “لم يزل الرجال علىٰ ممر الأزمان مكشوفي الوجوه، والنساء يخرجن متنقبات..” انتهى، ونحوه في “فتح الباري” (9/337).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في: (فتح الباري 9/ 424): “ولم تزل عادة النساء قديمًا وحديثًا؛ يسترن وجوههن عن الأجانب” انتهى.
ثم إن كل ذي لب يعلم أن مَجمع الحسن والفتنة في المرأة هو وجهها، وهو الذي يستشرف الرجال لمعرفته، وبه يقاس جمال المرأة من عدمه؛ فنشر الصورة علىٰ الوجه المذكور؛ فتح لباب فتنتها والفتنة بها، وابتذالها وابتذال صورتها، حين تكون مباحة لكل طالب وراغب.
– الشيخ محمد صالح المنجد.