تحدثت إليّ إحدى بناتي وهي تقوم بحل الواجبات المدرسية، وقالت: أنا لا أحبّ تلك المادة.
وحينها تخيّلت الأمر أكبر من ذلك، تخيّلت أنها تقول لي: أنا أكره ذاك الشخص أو تلك الإنسانة -إحدى زميلاتها في الفصل-؛ فقلت: هل تستطيعين الانفكاك عنهم؟ هل تستطيعين حذف تلك المادة من موادكِ المقررة عليكِ؟ أجابت: أن لا.
وحينها قلتُ لها: هناك أشخاصٌ وأشياءٌ في حياتنا لا نستطيع محوهم ولا استبدالهم؛ فإما أن نجد مخرجًا للتعايش معهم وشكلًا من أشكال التعامل، وإلا سيتحولون إلى حمل فوق الأكتاف والرؤوس؛ نسير به دومًا في حياتنا ويُثقل كاهلنا وأظهرنا ورؤوسنا نحن فقط، دون أن يشعروا هم بأي شيء من ذلك، بل ربما ظنوا أنهم نعمةٌ من نعم الله التي تستوجب الشكر ليلًا ونهارًا.
ولكي نتجنب ذاك الضغط الفكري والنفسي بالتعامل معهم، كوني كمجرى النهر الذي يحمل الأشياء الخفيفة فقط من أعشابٍ وأخشاب، هل رأيتِ يومًا نهرًا يحمل حجرًا؟ بالطبع لا. كيف وجدتيه يتعامل مع الصخور والأحجار؟ إما أن يتجاوزها من فوقها، أو أن يلتفَّ من حولها ليستكمل مساره، لا يحملها ولا يقف عندها.
دفعني ذلك إلى التفكير في جعل مقالي اليوم عن شكل العلاقات، وتخيّلتها كأنها دوائر تدور حول مركز واحد؛ وهو الشخص الذي يحدد تلك العلاقات. وهذه الدوائر تدور حوله ويتم تدريجها من الأقرب إلى الأبعد، وكل دائرة تعبر عن علاقة من العلاقات.
هناك الدائرة الأبعد عن المركز -الشخص محور العلاقات-؛ تلك الدائرة التي تسبب لي عبئًا أو ضغطًا نفسيًّا وليس لزامًا عليّ أن أتحملها؛ كالأصدقاء وزملاء العمل، فيصبح التعامل في حدود ما نحتاجه وبقدره مع اعتزال ما يؤذيني.
هناك علاقات نحن ملزمون بالتعامل معها ولكن كلّ في حدوده، بحيث لا أجعل منها ضغطًا عليّ، وذلك مثل زوجة الأخ، زوجة الابن، صديقة الأخت، والإخوة نفسهم أحيانًا. فأنا ملزمة بالتعامل معهم، ولكن في حدود. لا أجعلها مطلقة بسكل يتم من خلاله إيذائي. نعم، يجب عليّ أن أصل رحمي؛ كأولاد الأخ وأولاد الأخت والعمات والخالات؛ ولكن بدون أن تؤثر عليّ وتضرّني. نطبق شرع الله فيها، ولكن لا ضرر ولا ضرار.
وهناك من العلاقات التي هي أقرب العلاقات إلى الدائرة، والتي نحن مجبورون على التعامل معها، فلا بدّ أن نتعايش ونتأقلم ونبحث عن الطرق التي تحمينا من أي ضغوطات نفسية بشكل سليم، وبدون أن نصل إلى مرحلة الانفجار من قوة الضغوطات جراء هذه العلاقة. وذلك كالعلاقة بالابن والبنت والزوج والزوجة، والتي هي ملتصقة بالشخص التصاقًا وثيقًا.
وبما أن كل حالك لها تفاصيلها في التعامل بسكل خاص، فسنقول بشكل عام أنّ عليك مراعاة ما لكِ وما عليكِ فيما شرعه الله، ويكون شرع الله هو الميزان بالنسبة لكِ. سواء مع المجتمع، العمل، الأصدقاء، أو العائلة.
وأهم وأفضل تلك العلاقات هي علاقة العبد بربه؛ فإن صلحت صلح كل ما سبق.
فاللهم ردنا إليك مردًّا جميلًا، واجعلنا نحسن التعبد لك بما يرضيك عنا.
ورددي دائمًا:
اللهم لا تشغلني إلا بك وبما يرضيك عني
وستجدين أثره بإذن الله في تهوين الأمور في التعامل مع النفس والآخرين.