إن الميت قد انقطع عمله فهو محتاج إلى من يدعو له، ولهذا شرع الصلاة عليه من الدعاء ما لم يشرع مثله للحي، ومقصود الصلاة على الميت الاستغفار له والدعاء له، وكان ﷺ يقف على القبر بعد الدفن فيقول: «سلوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل»، فبدل أهل البدع والشرك قولا غير الذي قيل لهم، فبدلوا الدعاء له بدعائه نفسه، والشفاعة له بالاستشفاع به.
وبدلوا الزيارة التي شرعت إحسانا إلى الميت إلى الزيارة بسؤال الميت والإقسام به على الله، وتخصيص تلك البقعة بالدعاء الذي هو مخ العبادة، وحضور القلب عندها وخشوعه أعظم منه في المساجد.
فانظر إلى هذا التباين العظيم بين ما شرعه الرسول ﷺ لأمته وبين ما شرعه هؤلاء.
والنبي ﷺ أمر بزيارة القبور لأنها تذكر الآخرة، وأمر الزائر أن يدعو لأهل القبور، ونهاه أن يقول هجرا.
فهذه الزيارة التي أذن الله فيها لأمته وعلمهم إياها، هل تجد فيها شيئا مما يعتمده أهل الشرك والبدع، أم تجدها مضادة لما هم عليه من كل وجه؟
وما أحسن ما قاله الإمام مالك: “لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها”
ولكن كلما ضعف تمسك الأمم بعهود أنبيائهم عوضوا عن ذلك بما أحدثوه من البدع والشرك.
ولقد جرد السلف الصلح التوحيد وحموا جانبه، حتى كان أحدهم إذا سلم على النبي (صلى لله عليه وسلم) ثم أراد الدعاء جعل ظهره إلى جدار القبر ثم دعا. وقد نص على ذلك الأئمة الأربعة أنه يستقبل القبلة للدعاء حتى لا يدعو عند القبر فإن الدعاء عبادة.
فمن هذه البدع التي احدثوها اعتقاد أن الأولياء الموتى يقضون الحاجات ويُفرجون الكربات والاستعانة والاستغاثة بهم والله سبحانه وتعالى يقول:
﴿وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه﴾ [سورة الإسراء].
وكذلك دعاء الموتى من الأنبياء والصالحين أو غيرهم للشفاعة أو للتخليص من الشدائد والله تعالى يقول:
﴿أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع اللهَّ﴾ [سورة النمل].
وبعضهم يتخذ ذكر اسم الشيخ أو الولي عادته وديدنه إن قام وإن قعد وإن عثر، وكلما وقع في ورطة أو مصيبة، وكربة، فهذا يقول يا محمد، وهذا يقول: يا علي وهذا يقول: ياحسين وهذا يقول يا بدوي، وهذا يقول: ياجيلاني وهذا يقول: ياشاذلي وهذا يقول يارفاعي، وهذا يدعو العيدروس وهذا يدعو السيدة زينب وذاك يدعو ابن علوان،والله تعالى يقول:
﴿إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم﴾ [سورة الأعراف].
وبعض عباد القبور يطوفون بها، ويستلمون أركانها، ويتمسحون بها، ويُقبلون أعتابها، ويُعفرون وجوههم في تربتها، ويسجدون لها إذا رأوها، ويقفون أمامها خاشعين متذللين متضرعين سائلين مطالبهم وحاجاتهم، من شفاء مريض، أو حصول ولد، أو تيسير حاجة، وربما نادى صاحب القبر يا سيدي جئتك من بلد بعيد فلا تخيبني،والله عز وجل يقول:
﴿ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلونَّ ﴾ [سورة الأحقاف].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار) رواه البخاري الفتح ١٧٦/٨.
وبعضهم يحلقون رؤوسهم عند القبور، وعند بعضهم كتب بعناوين مثل: مناسك حج المشاهد، ويقصدون بالمشاهد القبور وأضرحة الأولياء، وبعضهم يعتقد أن الأولياء يتصرفون في الكون وأنهم يضرون وينفعون والله عز وجل يقول:
﴿وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله﴾ [سورة يونس].
فعلى المسلم الموحد الحذر من طريق هؤلاء ومن البدع وأن يقتصر على السنن، ففيها خير وكمال، ولا يكفي أننا نجتنب البدع، بل نهجر المبتدعة، ولا نجلس معهم، ولا نصادقهم حتى يتركوا البدعة؛ لأننا إذا صادقناهم وجالسناهم شجعناهم على البدعة، فنحن نهجرهم بمعنى أننا نترك مجالستهم ونترك مصادقتهم حتى يتوبوا إلى الله.
هذا الواجب على أهل السنة، أنهم يهجرون أهل البدع، ولو حصل هذا لما انتشرت البدع، ولكن لما حصل التساهل مع المبتدعة، صاروا يعيثون في الأرض فسادا، وينشرون البدع، ولا يوجد من ينكر عليهم، صاروا أصدقاءنا وجلساءنا وانتشرت البدع بهذه الطريقة، أما لو أن أهل البدع هجروا لقل شرهم.
وما احسن ما قال الذهبي: “وشرع لنا نبينا كل عبادة تقربنا إلى الله، وعلّمنا ما الإيمان وما التوحيد، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها، فأيُّ حاجة بنا إلى البدع في الأقوال والأعمال والأحوال والمحدثات، في السنة كفاية وبركة، فيا ليتنا ننهض ببعضها علمًا وعملًا وديانة، واعتقادًا”.