عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ وَثَمَنَهَا، وَحَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَثَمَنَهَا، وَحَرَّمَ الْخِنْزِيرَ وَثَمَنَهُ» .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه-: أِنَّ رَجُلًا أَهْدَى لِرَسُولِ اللهِ ﷺ رَاوِيَةَ خَمْرٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَهَا؟» قَالَ: لَا فَسَارَّ إِنْسَانًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «بِمَ سَارَرْتَهُ؟»، فَقَالَ: أَمَرْتُهُ بِبَيْعِهَا. فَقَالَ: «إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا»، قَالَ: فَفَتَحَ الْمَزَادَةَ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهَا.
فلا يجوز المتاجرة فيما حرم الله من الأطعمة وغيرها، كالخمور ولحم الخنزير، ولو مع الكفرة؛ لما ثبت عنه ﷺ أنه قال: «إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه»، ولأنه ﷺ لعن الخمر وشاربها وبائعها ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها وعاصرها ومعتصرها.
وقال ابن القيم في زاد المعاد :”فإن قيل: فهل تُجوِّزون للمسلم بيعَ الخمر والخنزير مِن الذمي لاعتقاد الذمي حلهما؟ قيل: لا يجوز ذلك، وثمنُه حرام”.
وقال ابن جزي: “لا يحل لمسلم بيع الخمر إلى مسلم ولا كافر” (القوانين الفقهية) .
وقال النووي: “بَيْعَ الْخَمْرِ بَاطِلٌ سَوَاءٌ بَاعَهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ أَوْ تَبَايَعَهَا ذِمِّيَّانِ، أَوْ وَكَّلَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا فِي شِرَائِهَا لَهُ، فَكُلُّهُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا”.
وقال ابن حزم: “لا يَحِلُّ بَيْعُ الْخَمْرِ، لا لِمُؤْمِنٍ، وَلا لِكَافِرٍ”.
وعن إبن عمر أن رجلًا من أهل العراق قالوا له: إنا نبتاع من ثمر النخل العنب فنعصره خمرًا فنبيعها فقال عبد الله بن عمر: “إني أشهد الله عليكم وملائكته ومن سمع من الجن والانس أني لا آمركم ببيعها ولا تبتاعوها ولا تعصروها ولا تسقوها فإنها رجس من عمل الشيطان”.
وعن ابن عباس قال: “بلغ عمر أن رجلًا باع خمرًا فقال: قاتل الله فلانًا باع الخمر أما علم أن رسول الله ﷺ قال: قاتل الله يهودًا حرمت عليهم الشحوم فحملوها وباعوها”.
وعَنْ يَحْيَى أَبِي عُمَرَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: “سَأَلَ قَوْمٌ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ بَيْعِ الْخَمْرِ وَشِرَائِهَا وَالتِّجَارَةِ فِيهَا، فَقَالَ: أَمُسْلِمُونَ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ بَيْعُهَا، وَلَا شِرَاؤُهَا، وَلَا التِّجَارَةُ فِيهَا”.
المراد بالمسألة:
إذا تولى المسلم بيع الخمر بنفسه، سواء كان لنفسه أو لغيره، فإن فعله محرم، وبيعه غير صحيح، بإجماع العلماء.
ومن نقل الإجماع :
• ابن المنذر (٣١٨ هـ)
يقول: [وأجمعوا على أن بيع الخمر، غير جائز] نقله عنه ابن قدامة، والنووي، وشمس الدين ابن قدامة، وابن حجر.
• ابن حزم (٤٥٦ هـ)
حكاه بعد أن ذكر صفة البيع الصحيح المتفق عليه، وذكر قيوده قال في ضمنها: [ولم يكن المبيع. . . محرما] فيدخل في المحرم الخمر.
• ابن عبد البر (٤٦٣ هـ)
يقول: [هذا إجماع من المسلمين كافة عن كافة، أنه لا يحل لمسلم بيع الخمر، ولا التجارة في الخمر] .
• الباجي (٤٧٤ هـ)
لما ذكر أثر ابن عمر في رجال من أهل العراق سألوه فقالوا: إنا نبتاع من ثمر النخيل والعنب فنعصره خمرا فنبيعها فمنع من ذلك عبد اللَّه بن عمر يقول: [ولا خلاف نعلمه في منعه] .
• الغزالي (٥٠٥ هـ)
حين تكلم عن اشتراط الطهارة في المعقود عليه، ذكر الخلاف في مسألة بيع الأعيان النجسة، وجعل من أدلة المذهب عليها هذا، فقال: [ومعتمد المذهب: الإجماع على بطلان بيع الخمر والجيفة] .
• ابن رشد الجد (٥٢٠ هـ)
يقول: [فأما ما لا يصح ملكه، فلا يصح بيعه بإجماع: كالحر والخمر والخنزير والدم والميتة، وما أشبه ذلك] .
• ابن رشد الحفيد (٥٩٥ هـ)
يقول: [والنجاسات على ضربين: ضرب اتفق المسلمون على تحريم بيعها وهي الخمر، وأنها نجسة إلا خلافا شاذا في الخمر أعني: في كونها نجسة] . نقله عنه ابن الشاط .
• النووي (٦٧٦ هـ)
يقول: [فيه -أي: حديث أبي سعيد الذي في مستند الإجماع- تحريم بيع الخمر، وهو مجمع عليه] .
وأخيرًا: بائع الخمر إنما هو بائع للعصيان مجاهرٌ بذلك يُفسد الشبان، يتعاون مع الشيطان في غواية بني الإنسان، نسأل الله جل وعلا له الهداية والغفران، والله المستعان.