من يريد إسقاط فريضة الحج والتهوين من مقام عبادة في زمنها بزعم نصرة فلسطين وتقديم جهاد فلسطين عليها، مجرد ضعيف بصيرة يخلط خلطا لا يليق، لم يتعلم بعد الأدب مع الله جل جلاله وشعائر الدين في موسم تعظيم لها.
فلسطين محتلة منذ 76 سنة واليهود يعيثون في الأرض فسادا وقبلهم الأمريكان وكل حلف خسة كافر ومرتد، لم يكن يوما الحج سبب استمرار الاحتلال ولم يحصل أن أوقفت فريضة الحج في التاريخ لأجل الجهاد.
والقوم لم يتذكروا نصرة فلسطين إلا بإسقاط الركن الخامس من أركان الإسلام وكأن على المسلمين كافة أن يتوقفوا عنه ليتوجهوا للنحيب عند شاشات النقل الحي لمجازر الاحتلال!
أي عقل يقول بذلك إلا منفصل عن حقيقة واقعه! ثم هل ينصرنا الله بتضييع أركان الدين وهل منع الناس من الحج سيحرر فلسطين! لقد قاد الصديق رضي الله عنه جهاد المرتدين لتركهم فريضة الزكاة وركنا من أركان الدين فمن وظائف الجهاد حفظ الإسلام وشعائره فلا ينقص الدين!
من كان يزعم أن الحج ليس ذي أولوية فهو كمن يقول الصلاة ليست ذات أولوية والصوم ليس ذا أولوية! بل كل أركان الإسلام ليست ذات أولوية بمنطقهم!
لم يكن التفاضل بين الحج والجهاد لإسقاط فريضة الحج! فالجهاد لا يطيقه كل المسلمين وإنما ينفر منهم فئة ممن يملك القدرة على الجهاد، قال تعالى:
(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ)
أما أن نحقر من الحج في موسم تعظيم لشعائر االله تعالى فمن موجبات الخسران والهزيمة!
دعوا المسلمين يؤدون شعائرهم بخشوع ويبتهلون لربهم بإخلاص وصدق إقبال لا ريبة فيه، فهم في احتلال وضعف وإن تعددت أشكاله ولا تفرضوا عليهم واقع مطرقة وسندان.
لم يحصل أن تعطلت أو انقطعت شعيرة الحج قط على مدى التاريخ الإسلامي.
وغاية ما تم تسجيله توقف جزئي من بعض البلدان، إما لأوبئة وعوارض صحية أو أمنية حصلت لبعض الحجاج منعتهم من أداء الفريضة، بينما قام بالحج غيرهم.
ورغم ما عرفه المسلمون من الحوادث العظيمة والخطوب والفواجع؛ لم يحدث قط أن ترك المسلمون حج بيت الله، ولم تخرج فتوى من عالم بإسقاط الحج في كل الأمة المسلمة لأجل الجهاد.
حتى في زمن هجوم القرامطة على الحرم الشريف في موسم الحج، سنة 919م، كان جنودهم يوم التروية يقتلون الحجاج وهم يطوفون فما يقطعهم ذلك عن طوافهم، وأكد المؤرخون على أن الحج في تلك السنة كاد يمتنع إتمامه لولا أن بعض الحجاج قاموا بعد الحادثة باللحاق بعرفة وإكمال مناسكهم على أقدامهم.
فتأمل بصيرتهم وتعظيمهم لشعائر الله وهم أقرب للموت قتلا!
فمن أين خرجتم علينا بإسقاط فريضة الحج غير نوع استهانة بعظمة شعائر الإسلام وسوء الفهم والتأصيل لقضايا الدين!
ويستدلون بقصة ابن المبارك وأبياته وكأنها نص يبنى عليه حلال وحرام! وكأن أهل العلم يجهلون أن الجهاد سنام الأمر ولذلك فضله على كل العبادات متفرد!
ولم يقصد ابن المبارك التحقير من شيخه الفضيل بن عياض وحاشاه أن يفعل والقصة من باب الاستئناس لمحبة الجهاد وتبيان فضله، ولم تكن للحكم بإسقاط فريضة الحج! وابن المبارك كان حينها مرابطا في الثغور محبوسا يجاهد، ولو كان في مكة لكان من الحجاج!
قال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا محمد بن طلحة عن طلحة عن مصعب بن سعد قال: رأى سعدٌ رضي الله عنه أن له فضلاً على من دونه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “هل تنصرون إلا بضعفائكم”.
فلم التحقير في مقام استجداء لرحمة الله تعالى في موسم مجمع على فضله العظيم!
ثم هل يعقل أن نقعد الحجاج في كل العالم الإسلامي بحجة رد الاحتلال والجهاد! وكأن المسلمين اليوم ينعمون بسلطان إسلامي وقيادة موحدة وبقي فقط النفير في صفوف منتظمة!
الانفصال عن الواقع يصنع سوء التصور! وكاتب الكلمات نفسه لا نال فضل حج ولا فضل جهاد هذا العام ويعرف نفسه بقول “يوتيوبر” فعلام يحقر عبادات العباد ويصد عن سبيل االله بزعم فقه الأولويات!
ثم دعك من الاستدلال بقصة وشعر وانظر في قول الله جل جلاله
(لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا)
وكلا وعد الله الحسنى، فمن ذا الذي يملك أن يحرم العباد رحمة ربهم وفضله عليهم! ومن ذا الذي يحق له أن يمنع المسلمين من الحج! وهو أمر ربهم!
فاستقم كما أمرت واخشع في مواسم العبادات الفاضلة كما ينبغي ولا تخسر خسارتين، خسارة الحج وخسارة الجهاد.
بل إن الحج جهاد المستضعفين الذين لا يستطيعون ضربا في الأرض لمن أبصر.
(ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)
وإنا لله وإنا إليه راجعون كم هان الحق في القلوب وكم غلب الهوى!