من الأمر المنتشر بكثرة واعتاد الناس عليه؛ هو تشغيل الموسيقى بالأعياد والمناسبات؛ بداعي البهجة والسرور.
فترى بعض المسلمين طوال شهر رمضان أو العشر الأوائل من ذي الحجة يتعبدون ويتضرعون وعند إعلان يوم العيد وحتى بليلة العيد تراهم يشغلون المعازف والأغاني ظناً منهم أن هذا لنشر البهجة والسرور؛ وأن أيام العيد لا تتم إلا بالمعازف، وإذا نهيتَ عن هذا المنكر كان قولهم زاجراً لك وأنك تريد أن تمنعهم من الفرح، وهذا الأمر خطير والله المستعان.
لأن الله تعالى جعل لنا هذه الأعياد كمكافأة للعباد بعد نهاية مواسم الطاعات، وإن هذه الأعياد نعمة فعلينا شكر النعمة بالتزام حدود الله سبحانه وتعالى وليس بمعصيته وتعدي حدوده.
فالموسيقى والمعازف محرمة شرعاً بنص كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ وأقوال الصحابة والتابعين والسلف ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وهناك أدلة كافية ووافية لحرمة المعازف والموسيقى منها:
الأدلة من القرآن الكريم:
قال الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ).
قال ابن القيم رحمه الله: “ويكفي تفسير الصحابة والتابعين للهو الحديث بأنه الغناء فقد صح ذلك عن ابن عباس وابن مسعود، قال أبو الصهباء: سألت ابن مسعود عن قوله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}، فقال: والله الذي لا إله غيره هو الغناء -يرددها ثلاث مرات-، وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضا أنه الغناء..” (إغاثة اللهفان لابن القيم).
و قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72].
وعن محمد بن الحنفية أنه قال: “الزور هنا الغناء” [تفسير ابن كثير].
{وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} قال الإمام الطبري في تفسيره: “وإذا مروا بالباطل فسمعوه أو رأوه، مروا كرامًا. مرورهم كراماً في بعض ذلك بأن لا يسمعوه، وذلك كالغناء”.
الأدلة من السنة النبوية الشريفة:
قال رسول الله ﷺ : “ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف” رواه البخاري.
وقال النبي ﷺ: «سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ ، إذا ظهرت المعازف والقينات ، واستحلت الخمر» صحيح الجامع.
أقوال العلماء:
قال الإمام أبو حنيفة -رحمه الله-: “الاستماع للغناء فسق، والتمتع به كفر”.
وقال العلامة الألباني -رحمه الله-: في كتاب [تحريم آلات الطرب ص/16] “أخشى أن يزداد الأمر شدة، فينسى الناس حكم الغناء حتى إذا ما قام أحد ببيانه أُنكِر عليه ونُسِب إلى التشدّد”.
وقال ابن القيم -رحمه الله-: “فإنه ما اجتمع في قلب عبدٍ قطُّ محبة الغناء، ومحبة القرآن؛ إلا طردَتْ إحداهما الأخرى”.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: “وَمَنْ أَقْوَى مَا يُهَيِّجُ الْفَاحِشَةَ إنْشَادُ أَشْعَارِ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مِنْ الْعِشْقِ وَمَحَبَّةِ الْفَوَاحِشِ وَمُقَدِّمَاتِهَا بِالْأَصْوَاتِ الْمُطْرِبَةِ فَإِنَّ الْمُغَنِّيَ إذَا غَنَّى بِذَلِكَ حَرَّكَ الْقُلُوبَ الْمَرِيضَةَ إلَى مَحَبَّةِ الْفَوَاحِشِ فَعِنْدَهَا يَهِيجُ مَرَضُهُ وَيَقْوَى بَلَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ الْقَلْبُ فِي عَافِيَةٍ مِنْ ذَلِكَ جَعَلَ فِيهِ مَرَضًا كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: الْغِنَاءُ رُقْيَةُ الزِّنَا”. مجموع الفتاوى (313/15).
وقال الحسن البصري -رحمه الله-: “إن كان في الوليمة لهو -أي غناء ولعب-، فلا دعوة لهم” (الجامع للقيرواني).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “مذهب الأئمة الأربعة أن آلات اللهو كلَّها حرام… ولم يَذكر أحد من أتباع الأئمة في آلات اللهو نزاعا”.
وفي آثر موقوف على ابن مسعود: “الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت البقل من المطر”.
وأول عقوبات من يستمع الغناء أن يصاب بقسوة القلب، وأن يكره الذكر والقرآن، وأن يبتعد عن المساجد، وأن يحبب له العشق والوله والغرام بالمحرمات، ومن نتائجه أن يحرم الغناء في الجنة، وهو من نعيم أهل الجنة، الذي يقول فيه ابن القيم:
فتثير أصواتًا تلذ لمسمع الإنسان كالنغمات بالأوزان
يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان