فهلا بقلب سليم

|

فهلا بقلب سليم

أما آن لهذا القلب أن يعود وأن يرجع لربه؟ أما كفاكِ يا نفس لهواً ولعباً؟ أما آن لهذه المضغة أن ترتقي في محراب العبودية؟ أما اشتقت للحياة في جنب الله بقلب سليم مقبل على الله راضٍ بكل ما قسمه له لا يحمل غضب أو حقد أو غل بل نقي طاهر بريء من الحسد والبغض وإن ابتلى منها بشيء تجده سرعان ما يفئ فلا يلبث إلا أن يعود نقياً طاهراً

{إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}؟

قلبٌ لا تجده كما بقية القلوب عالقة في متاهات أمراضها، تنتقل من غضبها لحقدها ومنه لحسدها، أو من عجبها لكبرها، لا يكاد صاحبها يفئ لنفسه إلا وقع من جديد، وتتثاقل فيها أمراضها فتثقل أصحابها، فإن لم ينتفضوا ليزيلوا عن قلوبهم رانها؛ ثقلت عليهم وتراكمت أمراضها واشتدت قسوتها؛ فيكونون أشد الناس بؤساً لا يجدون أُنساً إلا ونغصته عليهم أمراضهم.

فرحهم مخلوط بأمراض قلوبهم، لا يعرفون التوكل الحقيقي ولا التفويض لله الخشوع بعيد عنهم، يقرؤون القرآن فلا يجدون له وقع على تلك القلوب-إلا أن صدقوا-، وإن وقعوا في فتنة فُتنوا مصداق قوله تعالى

{ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد}.

فيكونون في ريبة وشك تخدعهم شياطين العلمانية والنسوية وغيرها، فلا يرون حقيقتها ولا يرتفعون عن هذه الدنايا ولا يشمئزون منها ومن أفكارها؛ بل يطمئنون لها ويدافعون عنها والأنكى من ذلك أن يكونوا في غفلة عن ضلالهم ومغبت حالهم

{وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون}.

فتجد بعد ذلك انتقال أمراضهم إلى عقولهم فينسلخون من فطرتهم؛ فيصبح الحجاب(تأخراً) وليس حشمة وطاعة ل،له ويصبح الحياء منبوذاً والجرأة واجبة؛ وإلا كيف ستعمل المرأة وتختلط بالرجال لتستقل بنفسها وتصبح امرأة قوية علي جبينها عصامة الكفاح والنضال في سبيل استقلالها من معذبيها وقاهريها (أباها، أخاها، زوجها)؟ أليس هذا ما يروجون له سواء بطريقة مباشره أو غير مباشرة؟

فأصبحنا نرى المسترجله التي (بمئة رجل)، وانقلبت المفاهيم؛ فأخذ الرجل موقع المرأة وأخذت المراة موقع الرجل، وانتزعت الغيرة من قلوب الرجال؛ بل ويصير هؤلاء إن لم يتداركوا أنفسهم يشمئزون من مظاهر الصلاح كالنقاب والحجاب والقرآن والصلاة والصدقات وغيرها، ويتأففون منها ويفرحون ويأنسون بالعري ومعازف الشياطين والفسوق والضلال والبذئ من الأفعال والأقوال، فيختم الله على قلوبهم إلا من رحم ربي. ولتحترس فكل هذه الموبقات أخذت اليوم مصطلحات مزينة فلا يخدعنك مكرهم

 {وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون}.

وأصبح هذا الزمان من أشد الأزمنة غربة، والفتن تجر بعضها بعضاً، وتتوالي على القلوب فتعصف بها عصفاً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “بادروا بالأعمال، فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً، ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا”.

فهلّا تطمع في قلب سليم؟ فتكون على بصيرة من ربك، فلا تُعميك أمراض القلوب عن الحقائق، ولا يستطيع الشيطان تزيين الباطل في عينك، فتكون على بصيرة من ربك. ولتعلم إن صدقت في إرادتك لهذا القلب أولاً هذه الآية

{له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال}

فلا تُرزق هذا القلب؛ إلا بجهادك لنفسك، ومزاحمة سيئاتك بحسناتك، ودعائك لله في كل وقت مرجو خاصة القيام في السحر؛ فلا ينبغي لطالب قلب سليم و كل مقام كريم ألا يراه الله مرابطاً في السحر ما بين ركوع وسجود وتلاوة وتدبر

{ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون}، {ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا}، {فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى}.

واحرص على إقامة صلاتك؛ فأتمَّ ركوعها وسجودها، وتأنّى فيها وجاهد في الخشوع. واحرص على إخلاصك لله واستزد في هذا الباب من العلم، واعمل على سد نقصك فإنك إن صدقت؛ صدقك الله وسددك

{اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون}.

وتقرّبْ لله بما يحب عز وجل، وبما يفتح الله عليك فيه، ثم فتش في قلبك عن أمراضه وآفاته، واسأل ربك العون والسداد في الأمر والعزيمة على الرشد وسخيمة القلب، وعليك بكتب ابن القيم؛ ففيها تفصيل عن أمراض القلوب يكفي بإذن الله كل طالب قلب سليم.

ثم وإيّاك والتقاعس وإلا انتقل قلبك من ران إلى ران أشد؛ فيكون علاجه أشد وأثقل، واحرص ألا تكون من أصحاب هذه الآية

{يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل}.

وتذكّر

 {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار}.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة