رحلة الحياة

|

رحلة الحياة

يمضي الإنسان وحده في هذه الحياة، وكما سيأتي ربه وحيداً يعيش فيها وحيداً. كل رفاق رحلة الحياة يمضون، فيسير بألمه حتى يصل لنهاية الطريق، إما جنة أو نار.

هناك طريقين لا بد أن نمر بهما. أما الأول فهو طريق الحياة، وهو طريق مليء بالفتن، والآلام، والأشواك. نمضي فيه ولا نجد من يواسينا عند حزننا، ويطمئننا عند خوفنا.

هكذا هي طبيعة الحياة، لا تعطينا سوى القليل من الفرح، ومن زخرفها، وكأنها تقول لنا:
(هناك آخرة لا تنسوها، ستتألمون بالدنيا لترتاحوا بالآخرة، سيترككم الأصدقاء، هذا إن وجدوا؛ فالصديق الصادق بات شيئاً نادراً بالحياة. ستتكاثر عليكم الهموم، والابتلاءات. سيجرحكم الناس بكلامهم ويمضون، وهم لا يعلمون أن كلماتهم الجارحة بلغت من القلب مبلغها.

ستظلمون من طرف البشر، وفي بعض الأحيان لن تستطيعوا أخذ حقكم، وتنسون ذلك ولكن الله لا ينسى.

سيقال عنكم ما ليسَ فيكم، وممن لم تتوقعوا منه ذلك يوماً، وسَتَعجبون لذلك.

ستكسرون من طرف أحب الناس إليكم وتخذلون، وستتمنوا لو تنتهي هذه الدنيا، فكل مافيها مؤلم وكل من فيها يؤلم، وقلوبكم معلقة بحياة الجنة.
هذا لنعلم أنها فانية لن تبقى، ولو بقيت لما طابت لأحد.

في هذا الطريق ابتلاءاته، وفتنه، وأشواكه، وكلها ثمن لدخول الجنة، ودائماً إذا أردنا الحصول على شيء ثمين وباهظ، علينا دفع ثمن غالٍ لأجله).

وأما الطريق الآخر،’؛ فهو طريق مرتبط بالأول، فكلاهما يوصل للجنة، ولكن هذا الطريق هو ما يخشاه الكثير، وهو الموت.

ولو علمنا أن الأجل ليسَ النهاية، بل هو بداية لكل شيء جميل؛ كنا قد عملنا صالحاً وأحسنا بالدنيا، فلا يهاب الموت عبدٌ أعد له قبل مجيئه.

وقد قال الإمام ابن الجوزي، في كتاب صيد الخاطر: (الواجب على العاقل أخذ العدة لرحيله، فإنه لا يعلم متى يُفجِئه أمر ربه، ولا يدري متى يُستدعى).
بل يفرح به وبقدومه، فهناك المستراح، وهناك حيث يأخذ كل مظلوم حقه، ويجازى الظالم بظلمه. هناك حيث الراحة والسكينة والأمان، هناك لن يخذلك أو يجرحك أحد، هناك المستراح من فتن الدنيا وزخرفها. هناك نأنس ويؤنس بنا، هناك نرى الرسول وصحبه، والأجمل والأعظم والأبهى من كل هذا، رؤية الله سبحانه وتعالى؛ نرى ربنا فنأمن بعد خوفنا، ونجبر بعدما كسرنا الناس، ونعوض عن خذلانهم، نراه كما نرى القمر ليلة بدره.

عن جرير قال: كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: “أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها”. -يعني العصر والفجر- ثم قرأ جرير

﴿وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها﴾ .

فلِمَ الخوف من هذا الطريق -الموت- الذي يوصل للجنة؟ لِمَ نخشاه؟ أنخشاه لأننا نخاف على من سيفقدونا؟ سنجتمع بهم بالآخرة بإذن الله.
أنخاف على مال؟ الدنيا كلها زائلة والمال فانٍ ولن يبقى، ولو بالدنيا كنا حكيمين لعلمنا كيف نتصرف بهذا المال، حتى يكون صدقة جارية لنا بعد موتنا. أنخشى على عيالنا وأطفالنا؟ الله هو الكافي الذي يكفل عباده.

أسباب الخوف إنما هي لعدم تأهيلنا وإعدادنا لهذه اللحظة، لحظة دخولنا لقبورنا وتلاشي الأقدام من حولنا؛ فلو أعددنا لما خفنا، ولو أبصرنا لعملنا، قبل فوات الأوان. وإنما هذه الدنيا دار عبور، والآخرة دار السرور.

كأنك لم تسمع بأخبار من مضى
ولم ترَ في الباقين مايصنع الدهرُ
فإن كنت لا تدري فتلكَ ديارُهم
محاها مجالُ الريحِ بعدكَ والقبرُ

وقد ذكر الرافعي نصاً جميلاً في الحديث عن خوف الناس من الموت:
(كلُّ حيٍّ هو شيءٌ للحياة أعطيَها على شرطها، وشرطُها أن تنتهي، فسعادته في أن يعرف هذا، ويقرِّرَ نفسه عليه، حتى يستيقنه، كما يستيقنُ أنَّ المطر أوَّل فصل الكلأ الأخضر، فإذا فعل ذلك، وأيقن، واطمأنَّ، جاءت النِّهاية متمِّمة له، لا ناقصةً إيَّاه، وجرت مع العمر مجرًى واحداً، وكأنه قد عرفها، وأعدَّ لها، أمَّا إذا حسب الحيُّ أنَّه شيءٌ في الحياة، وقد أعطيَها على شرطه هو، من تَوهُّم الطَّمع في البقاء، والنَّعيم، فكلُّ شقاء الحيِّ في وهمه ذاك، وفي عمله على هذا الوهم، إذ لا تكون النِّهاية حينئذٍ في مجيئها إلا كالعقوبة أنزلت بالعمر كلِّه، وتجيءُ هادنةً منغصةً، ويبلغ من تنكيدها أن تسبِقَها آلامُها، فتُؤلِمَ قبل أن تجيء، شرَّاً ممَّا تؤلم حين تجيء).

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة