في خضم الصراعات المتوالية الحالية، بين المشنعين على من يتمسكون بالسنة، والمنكرين على ذوي البدعة، يحضرني أمر ما يستطرد لدي كل معاني العِز والثبات على الحال والمآل، ولو كان ذا مشقة ووطأة شديدة على النفس؛ وهو أن مُعظم إخواننا حديثي العهد بالإسلام، والمقبلين عليه بكلهم، المفتخرين بالتحرر من أغلال الكفر والضلال للهداية والتبصرة؛ ما أقبلوا على اعتناق ديننا الحق إلا لعزة أهله عليه وتمسكهم به.
وهنا يمرّ عَليَّ مشهد إسلام أحد الدُعاة المشاهير بالغرب، ولم يكن السبب في إقدامه على ترك ما كان فيه من زيغ وضلال، والعدول عنه لما عليه الإسلام من هداية ورشاد؛ إلا رجل مسلم بحق، يقيم في نفسه دين الله بالحق، ويستن بسنة نبيه كما هي، بلا زهد فيها ولا غلو بها، ولا إجحاف لها، قولًا وفِعلًا بالتطبيق والعمل، فيظهر مظاهر إسلامه بلا خشية، ويعلي كلمة ربه وأمره فيه بلا رهبة، وبكل عزة ورفعة.
وقياسًا على ذلك فتلك التي تعتز بزيها الشرعي بين قريناتها، ولا تتساهل فيه؛ هي داعية لربها به، سواء لبنات جلدتها أم لغيرهن، وتلك التي تجاهد لتأتي أمر ربها فيها، في كل حركاتها وسَكناتها، وذلك الذي لا ينفك أن يظهر تمسكه بهدي نبيه وقدوته ﷺ؛ هو بذلك داعٍ لربه ولو زهد بالدعوة الخالصة، فمحض تمسكه به دعوة.
العِبرة في الصِدق والإخلاص، فلا تركنوا للساخرين من تمسككم بالحق، وأعلوه في أنفسكم وانشروه بأفعالكم، ولا تزهدوا فيه.
لا يخشى الواحد منكم إظهار مظاهر الدين في نفسه وبين آله، واعلموا أن التمسك بما اندثر، وإحياء ما توارى بفعل التساهل، وبغي الحداثة وغيرها، والصدع بالحق في أزمنة الغربة، مأجور صاحبه بل يُضاعف أجره.
إن الإسلام الحقيقي غريب عند أهله، رفيع فيهم، يعلون به وهو بإذن ربنا الأعلىٰ، وسطيٌ، بعيدٌ كل البعد عن الميوعة، بريءٌ من كل مظاهر الابتداع، مُترفَّعٌ فيه عن الغلو والجفاء والتشدد، وهو يسير لمن عقل. فدين الله دين يُسر إذا ما أُقيمت حدوده.
واليوم على غرار ذلك ترى كُل متمسك بالهدي يُنكر عليه، وكل منسلخٍ عنه يُحتفى به. الواحد في المواصلات ببساطةً لا يتاح له أن يجهر بما يسمعه من القرآن، بينما يصدح صوت المعازف عاليًا بلا مُنكِر، ولو أنكر لسُخر من فعله!
فأنت اليوم ترى أهل الباطل لا يستحون من نشر باطلهم والجهر به، فكيف تستحي من الحق؟
لا تستحي من إظهار أمر الله فيك ولو كره الضالون. والله المُستعان.