في معترك التربية، استل الكلمة وقاية، وتدرَّع بالفعل حماية.
والفعل هنا هو فعلك أنت كقدوة؛ فلا يروك حيث تنهاهم، ولا يفقدوا أثرك فيما تأمرهم به.
وحديثي هنا خاصة عن سيف الوقاية، عن الكلمة والحوار ودورهما.
كثير منا يتخيل أن حوارًا دائمًا مع أطفاله هو محض رفاهية وتمضية الأوقات بفعل روتيني تكميلي، وأن التربية عبارة عن أوامر ونواهٍ وزواجرَ على أحسن الأحوال، وكثير منا يتخيل أن من لوازم أبوته أو أمومته لطفل، انتقال التدين والقيم والمبادئ له هكذا بدون سعي أو كدح وإنفاق الأوقات، بل الأيام والليالي، في الغرس والتوعية والنقاشات والحوارات. والواقع أن هذا الحوار هو من أشد حقوق طفلك وأهلك عمومًا عليك.
ولن أتحدث هنا عن دوره في تثبيت أواصر الأسرة وزيادة الألفة والقرب والمحبة وهكذا، وإن كانت كلها أمور شديدة الأهمية وجديرة بالذكر والإطناب؛ لكني هنا أتحدث عن صناعة المسلم، صناعة العبد الصالح والابن البار والشاب الواعي، عن مسلم يفهم دوره وما المطلوب منه، ولماذا خلق، وكيف يحيا، وحيل شياطين الإنس والجن وكيف يتجنبها أو يتعامل معها ويتغلب عليها وهكذا. ما الذي برأيك يصنع هذا المسلم سوى حوار هادئ رزين من شخص محب ناصح آمين؟ ومن برأيك يكون هذا الشخص غيرك أنت كأب أو أم؟ وما هو وقت الوقاية والغرس الأفضل في ظنك غير سنوات عمره الأُوَل؟
تستهين بالحوار، ولا يملك شياطين الإنس في الحقيقة سوى الحوار سلاحًا يشهروه في وجه ابنك ليسيطروا به على وعيه وأفكاره وقيمه، في ندواتهم ومنتدياتهم وقنواتهم، وفي الإعلام والمجلات وحتى قنوات “الأطفال”، وفي المناهج والروايات وغيرها، لا يتركون ثقب إبرة إلا ويثرثرون من خلاله ويبثون سمومهم.
وكيف تنتشر أفكار الإلحاد والإباحية والشذوذ وغيرهم، إلا بإطلاق الكلمات؟
سلاحك هو نفس السلاح؛ ولكنه بإذن الله أمضى؛ فاليد التي تحمل السلاح تصنع فارقًا في النتائج، وأنت لا تحمل سلاحك بيدك؛ بل بقلبك، قلب محب مشفق، يسعى ليصل وأهله للجنة بإذن الله ويقيهم ونفسه من النار.
ويمكنك أيضًا أن تجنب طفلك خبثهم، بأن لا تعرّضه لكلامهم طالما استطعت ذلك، فتجنبه قنواتهم وإعلامهم بشكل أساسي، فيكون لك السبق بإذن الله في وقايته من سمومهم وخبثهم.
حوارك مع طفلك هو الذي يصنع وعيه وإيمانه، ومن ثم يحدد طريقة سعيه وسيره وأهدافه وآماله في الدنيا والآخرة. ثم هو ما يعلي حس النقد بداخله؛ فلا يتشرب كل شبهة تلقى على مسامعه مهما تزخرفت وتزينت.
وهذا يوجب عليك أن تبني وعيك أولًا، وأن تمتلئ بالمعاني التي تفيض بها عليه سواء ما يتعلق بالدين أو الحياة أو الواقع، وأن تتعلم إدارة الحوار المجدي وليس كلام بهدف الكلام فقط، وأن تجيد انتهاز الفرص واقتناصها لغرس الدين والقيم.
وأولًا وأخيرًا؛ التوفيق والسداد من الله عز وجل؛ فلا ننسى الاستعانة به جل وعلا، ونحسن التوكل عليه، ونصدق في الالتجاء إليه؛ فنكثر الدعاء لأنفسنا وأبنائنا بإلحاح وافتقار ويقين، ولن يضيعنا المولى الكريم سبحانه وبحمده.