قال مصطفى محسن: أعرني انتباهك واقرأ قراءة متأنية، فهذه خلاصة لن يخبرك بها “مستشارو العلاقات” ولا “الأخصائيون الاجتماعيون”؛ بل ربما بعكسها:
- مقاصد الزواج تتنوع وليست محصورة في الصورة الرومانسية المثالية. وكثرة الدندنة على المثاليات والتنديد بما سواها ضلال وفساد.
فالناس تتزوج لأجل الكفالة، وللأنس، وللتعفف، وللسياسة، وللولد، ولغير ذلك، وكلها أغراض ومقاصد صحيحة لا ملامة على من قصد شيئاً منها دون الآخر ما لم يخالف شرعاً أو يدلس أو يضيع حقاً، بل هو محمود من أكثر من وجه طالما أنه أصاب مقصداً صحيحاً على وجه صحيح. - “الغنم بالغرم” قاعدة مطردة شرعاً وكوناً في جميع الأبواب تقريباً وهي من مصادق معنى العدل الذي قامت عليه السماوات والأرض، وتظهر بجلاء في باب النكاح. فمن أراد شيئاً من مغانم النكاح فليعلم أنه ملزم بما يلزمه من مغرم. وكل دعوى تناقض هذا فهي إخلال بقانون الكون وحَيْدة عن مقصود الشرع لن تؤول إلى خير أبداً.
فمن أرادت النفقة فيلزمها الطاعة، ومن أراد العفة والأنس فيلزمه صيانة زوجه والإنفاق عليها. - الكدر جزء من ماهية الحياة الدنيا. قال تعالى بعد قَسم طويل، وهو الغني عن القَسم: “لقد خلقنا الإنسان في كبد”، أي في عناء ومشقة. وقد جعل الله الدنيا سجن
المؤمن وجنة الكافر، فغايتك فيها: رفع (شيء) من الكدر عن نفسك، والصبر على ما سوى ذلك، وإلا فلن يرتفع الكدر عنك قط.
وأشد ما يظهر هذا في الزواج، فإن فيه الخير والحلو، وفيه الكدر والأذى، ولا شيء من هذا يناقض سلامته ولا صلاحيته للدوام. فإن الرجل قد يظلم المرأة شيئاً ما، ويعوضها بغيره، والمرأة قد تخل بحق زوجها شيئاً ما، وتعوضه بغيره. فما دام الأمر محتملاً منهما وبقي الاجتماع على أصل المودة ومصالح الدنيا والدين فالزواج في دائرة الطبيعي.
أما دعاوي (العلاقات المسمومة) و(محاربة النرجسية) و(اعتزل جميع ما يؤذيك) فما خرجت إلا من مريضات لا خلاق لهن، فنشرت أمراضهن بين النساء، فأفسدت النفوس والمجتمعات والأديان والله المستعان! - ما يزال الزوجان بخير ما حفظا حدود الله، فإن فعلا فإما إمساك بمعروف، وإما تسريح بإحسان، فإن يتفرقا يغنِ الله كلاً من سعته.
- الأصل في ما يقع بين الزوجين أن يسعيا في حله معاً، فإن عجزا فشيخ يفتيهما في أمر دينهما، وحكم من أهله وحكم من أهلها من العقلاء الأتقياء يحكمان بينهما وفقاً لحدود الله، فإن انقطع السبيل فقاضٍ شرعي يحكم فيهما بكتاب الله وسنة نبيه ﷺ فصلاً في الحقوق وإلزاماً بالحدود.
- حفظ الله حقوق الناس كافة، ذكرهم وأنثاهم، كبيرهم وصغيرهم، بل مؤمنهم وكافرهم. تلك الحقوق التي قضاها الله تعالى كيفما شاء، ولم يساو بين الناس فيها.
ولا علينا بمن يفرضون لأنفسهم حقوقاً لم يفرضها الله لهم؛ فدونهم بحار سبعة فليشربوا من أملحها حتى التضلع. - طاعة الزوج ليست فضلاً من الزوجة بل هي ما تستحق به كل حق كفلها إياه عقد النكاح. وبنشوزها عن طاعته تسقط حقوقها حتى الإطعام. وأغلظ حقوق الزوج صيانة في الشريعة والتي رتب على الإخلال بها الإثم العظيم بل اللعن، والعقوبة الغليظة في الدنيا حق الوطء. ومن فقه المرء تأمل مقادير العقوبات ليعلم مقادير الأحكام عند من شرعها.
- الأصل في النكاح المكارمة، فيتبادل الزوجان إكرام بعضهما البعض، ولكن هذا لا يلغي المطالبة بالحقوق وإنما يحفظه لموضع الحاجة فقط دون غيره. فبين طرف يهدر الحقوق ويبني تصوراته على أحلام وردية، وطرف يقف بدفاتر المحاسبة وقوانين المعاملة؛ تفشو الأمراض وتفسد الحياة.
- الأصل في المستشار: أن يكون رجلاً لا امرأة، إلا أن يُعلم من امرأة الحكمة والخبرة وسلامة النفس، فحينئذ أنعم بها. وأكثر النساء يفقهن هذا ويطلبن مشورة الرجل؛ وهذا حسن ما استشرن من يتقي الله والتزمن الآداب الواجبة وصُنَّ أنفسهن عن الضباع.
- النكاح ليس قضية اجتماعية ولا نفسية في المقام الأول؛ بل شريعة أنزل الله لها أحكاماً كثيرة، وسن لها سنناً وآداباً.
فلا يجوز استشارة من لا دراية له بالشريعة في شأنه. فإن كثيراً من “المستشارين” يخالفون مقصود الشرع بنصائحهم إهمالاً أو جهلاً أو عمداً.
ولا يغرنك في هذا الشأن نقاب ولا حجاب ولا تكني (بأم فلانة)؛ ولا أن قالت عنها علانة “نحسبها على خير”، فليس شيء من هذا شهادة فقه. - واجب على المتصدرين والمتصدرات لمساعدة البيوت والسعي في إصلاحها:
١- تعلم الشريعة والسنة (وهذا فرض وليس نفلاً)
٢- تزكية أنفسهم وتطهيرها من آفاتها
٣- استسقاء الحكمة ممن عرف بها
٤- تأخير الاستفادة من ذوي الألقاب والشهادات الأجنبية، فالأغلب أنها قليلة النفع أو حتى كثيرة الضرر، اللهم إلا من كان ذا مكنة ودربة وتمييز للغث من السمين، وإلا فسيسقي الناس السم يحسبه عسلاً فيه شفاء للناس
٥- معرفة حدود أنفسهم، والاستفتاء في كل ما يحتاج لفتوى.
والله المستعان.