قراءة سورة يس بعدد معين، أو قراءة غيرها أو الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدد معين، جماعة أو فرادى، بغرض قضاء الحاجات وتحقيق الرغبات، كل ذلك لا أصل في الشرع، وهو من المحدثات.
وقد قال ﷺ: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ). رواه البخاري (٢٦٩٧) ومسلم (١٧١٨)
والمقرر عند أهل العلم أن العبادة لابد أن تكون مشروعة بأصلها ووصفها وزمانها ومكانها، وأن التزام الأعداد والكيفيات والهيئات التي لم يقم عليها دليل من الشرع، يعتبر من البدع.
قال الشاطبي رحمه الله: «فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه،
ومنها التزام الكيفيات والهيآت المعينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي ﷺ عيدا، وما أشبه ذلك. ومنها التزام العبادات المعينة، في أوقات معينة، لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان، وقيام ليلته».
وكون العمل اعتاده الناس وتوارثوه، أو كان يترتب عليه بعض النتائج، لا يدل على مشروعيته، بل توزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله ﷺ، فما وافق منها قبل، وما خالف رد على صاحبه كائنا من كان.
ولو كان هذا العمل خيرا لسبقنا إليه النبي ﷺ وأصحابه، لاسيما مع وجود المقتضي لذلك، فقد تعرض كثير من الصحابة للأذى والظلم، ولم يثبت عن واحد منهم أنه فعل ذلك ولا أرشدهم إليه ﷺ.
والخير كل الخير في اتباع من السلف، والشر في ابتداع من خلف. والحاصل أنه يتعين البعد عن هذه المحدثات، والاكتفاء بما هو مشروع من الأدعية والأذكار التي جعلها الله سببا لقضاء الحاجات وتحقيق الرغبات، قال تعالى:
(أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ)،
وقال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
وقد وردت عدة أحاديث في فضائل هذه السورة، أكثرها مكذوبة موضوعة، وبعضها ضعيف ضعفا يسيرا، ولم نقف على حديث صحيح مخصوص في فضل سورة (يس).
فمما ورد من فضائلها ويضعفه أهل العلم بالحديث -وإنما نسوقه هنا للتنبيه عليه- :
- (إن لكل شيء قلبا، وقلب القرآن (يس)، من قرأها فكأنما قرأ القرآن عشر مرات)
- (من قرأ سورة (يس) في ليلة أصبح مغفورا له)
- (من داوم على قراءتها كل ليلة ثم مات مات شهيدا)
- (من دخل المقابر فقرأ سورة (يس)، خفف عنهم يومئذ، وكان له بعدد من فيها حسنات)
- ومما يرويه الناس حديث (يس لما قرئت له)، ويعنون به أن قراءة سورة (يس) يحصل معها قضاء الحوائج وتسهيل الأمور التي ينويها القارئ بقراءته.
انظر «الموضوعات» لابن الجوزي (٢/٣١٣)، «الفوائد المجموعة» للشوكاني (٩٤٢،٩٧٩).
والواجب التنبيه على بطلان نسبة هذا الكلام إلى السنة النبوية، أو إلى أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة، فلم يأت عن أحد منهم مثل هذا التقرير، بل ينبهون على بطلان ذلك.
ولا يجوز لأحد أن ينسبه إلى النبي ﷺ، ولا أن يتحدث به في مجالس الناس، ومن يزعم أن التجربة تدل على صحة هذا الحديث، يقال له: والتجربة وقعت من كثير ممن قرأ (يس) لقضاء حاجته فلم يقضها الله له، فلماذا نأخذ بتجربتك ولا نأخذ بتجربة غيرك!؟
وما ينقله الإمام ابن كثير في «تفسير القرآن العظيم» (٣/٧٤٢) عن بعض أهل العلم: «أنَّ مِن خصائص هذه السورة أنها لا تُقرَأ عند أمر عسير إلا يسره الله تعالى»،
فهو اجتهاد منهم ليس عليه دليل من الكتاب أو السنة أو أقوال الصحابة والتابعين، ومثل هذا الاجتهاد لا يجوز نسبته إلى الله تعالى ورسوله، إنما ينسب مثل هذا إلى قائله؛ بحيث يكون صوابه له وخطؤه عليه، ولا يجوز أن ينسب إلى كتاب الله تعالى أو سنة رسوله ما نتيقن أنه منه.
قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾.
على أننا ننبه هنا إلى أن كثيرا ممن تقضى له الحاجات عند دعائه، أو قراءته لمثل ذلك، إنما تقضى له لأجل ما قام بقلبه من الاضطرار والفقر إلى ربه، وصدق اللجوء إليه، لا لأجل ما قرأه من دعاء، أو دعا عنده من قبر أو نحو ذلك.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
«ثم سبب قضاء حاجة بعض هؤلاء الداعين الأدعية المحرمة أن الرجل منهم قد يكون مضطرا اضطرارا لو دعا الله بها مشرك عند وثن لاستجيب له، لصدق توجهه إلى الله، وإن كان تحري الدعاء عند الوثن شركا، ولو استجيب له على يد المتوسل به، صاحب القبر أو غيره لاستغاثته، فإنه يعاقب على ذلك ويهوي في النار، إذا لم يعف الله عنه»
ثم يقول: «ومن هنا يغلط كثير من الناس؛ فإنهم يبلغهم أن بعض الأعيان من الصالحين عبدوا عبادة أو دعوا دعاء، ووجدوا أثر تلك العبادة وذلك الدعاء، فيجعلون ذلك دليلا على استحسان تلك العبادة والدعاء، ويجعلون ذلك العمل سُنّة، كأنه قد فعله نبي؛ وهذا غلط لما ذكرناه،
خصوصا إذا كان ذلك العمل إنما كان أثره بصدق قام بقلب فاعله حين الفعل، ثم تفعله الأتباع صورة لا صدقا، فيُضَرون به؛ لأنه ليس العمل مشروعا فيكونَ لهم ثواب المتبعين، ولا قام بهم صدق ذلك الفاعل، الذي لعله بصدق الطلب وصحة القصد يكفر عن الفاعل».