ومن حسن رعاية المرأة لابنتها، أن تعلمها ما تحتاج إليه في حياتها كأنثى وامرأة؛ فتعلمها القيام بأمور البيت من نظافة وتدبير وترتيب ودواعي ذلك، وتعلمها كيفية الاهتمام بنفسها والعناية بتفاصيلها بغير إثم أو إسراف.
فضلاً عن تعليمها دينها وواجباتها وتعاهدها بالقيام بالفرائض والتكاليف حال وجوب ذلك، فهذا مما لا نقاش فيه.
ومن ظلم المرأة لابنتها ومن تضييعها لرعايتها التي وكلت بها؛ أن تترك هذا كله وتهمشه ولا تعبأ به بدعوى “تعليم” البنت، حتى أنه من الممكن أن تترك صلواتها بحجة التعليم، وكل أخطائها من تبرج واختلاط وسوء أدب مع من حولها وغيرهم مغفورة ومتقبلة، فهذا من لوازم التعليم في زمننا.
حتى إذا وصلت البنت للزواج، تكون زوجة فاشلة، ولا تحسن مسئولية بيتها، ثم تتشدق بأنها غير مكلفة بخدمة زوجها وأن هذا فوق طاقتها ومقدرتها وما إلى ذلك من ترهات.
كان ذلك في أصله بسبب أن الأم لم تفقه دورها جيداً، وظنت أنها إن أطعمت أبناءها ولبت حاجتهم ووصلوا لتعليم عالي، فهي بذلك قد أحسنت التربية، مهما كانت خسارتهم في كل جوانب حياتهم الأخرى.
لو قلبت النظر فيمن حولك من النساء، ستجد حتماً نموذج المرأة التي تفني عمرها وصحتها بالمعنى الحرفي للكلمة من عمل داخل البيت وخارجه ليتوفر لأبنائها مستوى معيشي معين، وهذا رأيته بعيني، ثم تنظر إلى التزام الأبناء بأوامر دينهم فلا تجد إلا أقل القليل، وحين تراجعها أن الطريق خاطئ، ترد فوراً: غداً ينصلح حالهم!
متى وكيف بالله عليك؟!
أعلم أن الهداية بيد الله، لكن هذا الطريق الهلاك فيه أقرب للنجاة.
ثم هم بعد ذلك، لا يعرفون لها حقاً، ولا يشكرون لها صنيع، ودائماً يرون أن هناك المزيد تستطيع تقديمه ولكنها تبخل به عنهم. ولا عجب، فما يدعوهم لمعرفة حقها وأدائه، هو الدين الذي أهملت هي تعليمهم إياه.
هذه الأم المشفقة المحبة، وضعت حبها وحنانها وشفقتها في مكان خاطئ، فمن لا تخش على أبنائها من النار وتحارب جاهدة لوقايتهم منها، فقد فسدت وأفسدت وأهلكتهم مهما تخيلت أنها تسعى لصلاحهم.
ليس من العقل والحكمة أبداً، الاهتمام بجانب من جوانب حياة الأبناء حتى يطغى على باقي الجوانب كلها ويفسدها، خاصة إذا كان هذا الجانب دنيوي بحت.
لكن المربي العاقل، من يربي إنسانا سويا متوازنا واعيا في كل جوانب حياته، وأنه عبد لله عز وجل في كل أطوار حياته وأدواره.
أن يعلمه أننا لم نُخلَق لهذه الدار، فلا يكون كل سعينا متوقف فيها وعليها، وإلا كان الخسران هو ما جنينا.