بسم الله،
قال شيخ العربية -رحمه الله-:
(والكِتابَةُ في زمانِنا هذا شَرٌّ مُستَحْكِم، وباطِلٌ لَجُوجٌ مُتَوَقِّحٌ. وقد اقتَحَمَ وَعْرَها مَنْ لا يُحسِنُ المَشْىَ في سُهُولِها، وتَشَهَّاها مَنْ لو أَنْصَفَ نفسَه لَحَالَ بينَها وبين ما تَشتَهِي، واتَّخَذَها صِناعَةً مَنْ لو عَقِلَ لَأَعفَى نَفسَهُ مَنْ مُزَاوَلَتِها. ولكن هكذا كان).
وقال رسول الله ﷺ فيما جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه:
“أن بين يدي الساعة تلسليم الخاصة، وفشو التجارة، وقطع الأرحام وشهادة الزور وكتمان الحق وظهور القلم”.
وقال العلماء في تفسير ظهور القلم: (كثرة الكُتاب والكتبة والكتب).
ألا يحرك في بعض الكتاب -هدى الله أقلامهم إلى الرشاد- أن هِبتهم هذه أحد أشراط الساعة؛ فيستخدمونها فيما يُرضي الله لا ما يُسخطه؟
إن الكتابة بألوانها المختلفة أصلها الإباحة ما لم تخالف شرعًا ولا عرفًا؛ فإن وجد فيها ما دون ذلك وقع في حيز التحريم وأبواب النكارة والتنديد.
والكِتابة وظيفة نبيلة وهبة سامية، ووقوعها في يد من لا يحسن ضبطها بميزان الشرع لهو غي وضلال. فالكاتب إن كان يمتلك قيمته من جودة ما يكتب؛ فتسقط قيمته حينما يتحول قلمه لقلمٍ تحركه أهواءه وأهواء العامة من القُراء، ومرد سوء الحال كون تلك الأهواء ليست تبعًا لما جاء به رسول الله ﷺ وأمر الله سبحانه.
والقلم إن لم يكن حُرًّا؛ كان تحت وطأة أغلال سلطة الثقافة الغالبة: الحشود تريد كذا بغض النظر أيرضي الله أم لا، هذا يزيد المشاركات والإعجابات بغض النظر هل هو حجة لنا أم علينا، وهلم جرا على هذا الحال..
وأنا شخصيًا أتفهم الصراع الضاري الناشب بين نفس المرء وقلمه، والعهد الذي قطعه لربه الذي أول ما أنزله في كتابه «اقرأ» وهو صانع القراءة هنا، والحال أقرب لحربٍ خفية داخل المرء نتاج ما يرى من ابتذال يسُر الخلق وبين محاولته إحجام قلمه وترويضه سعيًا لما يسُر رب الخلق.
وإنه لمن سوء الحال وضلال المآل؛ أن يقف المرء الكاتب والقارىء سواءً بين يدي الله عز وجل للحساب، فيُسأل هذا لمَ قدمت للناس ما يغويهم عن سبيلي؟ فلا يجد للسؤال إجابة تنجيه. وبين سؤال الآخر لم سِرت خلفه وأيدته وأشدت به حتى ظل في ضلاله وغيه أعمى، ببريق ومعسول العبارات التي كنت تدسها له ليستمر؟ ولا يجد الآخر للسؤال إجابة تنجيه.
وكثير في هذه الأيام ما أصبحت أرى كلامًا فاحشًا يوضع في سياق الكتابة الأدبية؛ فأصبحت أضرب كفي ببعضهما عجبًا لما وصلنا إليه، ولا شك أن هذا النوع من الفحش والوصف القبيح والسرد السقيم محرمٌ تحريم بيِّن؛ لما يفضي إليه من رذيلة وتحريك لشهوات الناس وغرائزهم، وسوق السفهاء منهم إلى محرماتٍ ظاهرة قولًا وفعلًا واقعًا، ولا أدري متى عدنا لأيام الجاهلية الأولى حينما كان يُفتخر بالرذيلة ويُشاد بها، ألآن أصبحنا ندعوكم لترك دعاوى الجاهلة وتحطيم أصنام الهوى في أقلامكم؟
المرء العاقل متى وهبه الله قلمًا سيالًا لا يغتر به، ولا يسعى لجمع الحشود حوله بقدر ما يسعى أن ينذر لله مداد قلمه محررًا، أن يعي وعي اليقين أنه ومع آلام وسقم الأمة وطغيان الغمة لهو في جِهاد بهذا القلم، وأن القلم الذي لا يعي قضايا الأمة وأوجاعها ويسعى لدلالة العباد على ربهم وما يرضيه؛ لهو قلم مغبون خاسر مردود فعله على صاحبه.
ونحن لا ندعو لترك فضول المباحات ووصف مآلات أُخر ومشاطرة البشر أفراحهم وأتراحهم؛ ولكِننا ندعو لأن تستنير الأقلام في عتمة سبلها مع كثرة الفتن والمغريات من حولها بأضواء الوحي وإرشاداته.
أسأل الله عز وجل أن يهذب أقلامنا ويستخلصها لشأن عظيم يسره، وأن يمنعها عنا ما وجد فيها لنا ولغيرنا فتنة، وألا يجعل لنا فيها ولا لغيرنا فتنة.
وعلى الله قصد السبيل.
والكِتابة وظيفة نبيلة وهبة سامية، ووقوعها في يد من لا يحسن ضبطها بميزان الشرع لهو غي وضلال.