لغة القرآن

|

لغة القرآن

قد أنزل الله القرآن الكريم باللغة العربية، وقد منَّ علينا بأن جعلنا عرب نجيد نطق الأحرف العربية والتكلم بها.

ثمَّ إنّها أصعب لغة، أصعب من الإنجليزية، والفرنسية، والتركية، والصينية، وكل لغات العالم؛ لأنها لغة القرآن، وبها أحكام كثيرة وللكلمة أكثر من معنى، وبها إعجاز عجيب.

ثُمَّ نرى من يتكلم بالإنجليزية ويدخل مع العربية بعض الكلمات، ويظن بذلك أنه مثقف. من قال ذلك؟ ومن وضع هذه الأفكار الخاطئة؟ نكون مثقفين عندما نتكلم بالفصحى ونتعلمها، وليسَ لغة الكفار.

لماذا نتكلم باللغة الإنجليزية إذا لم نضطر لذلك؟ لا نقول أنه حرام تعلمها إذا كانت للضرورة، فالصحابي “زيد بن ثابت” أمره الرسول صلى الله عليه وسلم بتعلّم لغة اليهود لمصلحة المسلمين؛ ولكن الإشكال عندما نترك لغتنا التي هي لغة القرآن العظيم، وكان لا بدّ أن نكون عزيزين بها ونفتخر بأننا ننتمي لها.

قال ابن القيم الجوزية -رحمه الله-: (وإنما يعرف فضل القرآن مَنْ عرف كلام العرب، فعرف علم اللغة وعلم العربية، وعلم البيان، ونظر في أشعار العرب وخطبها).

ثُمَّ كيف لنا أن نخلط العربية بالإنجليزية؟ فهذا مما يقلل من قيمتها! للأسف هذا مما ابتُلي به كثير من المسلمين بل حتى وصل الأمر للأطفال الصغار؛ بدل قول “نعم”، يقولوا (yes) ،وبدل قول “لا” يقولوا (No). أما الكبار استبدلوا قول السلام عليكم بـ (good morning) والله المستعان.

وقد تأملت لماذا يتكلم الكبار بهذه اللغة بغير ضرورة؛ فأبصرت أنهم لم يعزّزوا الإيمان بقلوبهم، فلو كانوا عزيزين بإيمانهم وبلغة القرآن لما أحبّوا لُغةً لا تنتمي لهم بشيء. وأيضًا أنهم لم يفهموا لغتهم ويغوصوا في أعماقها، وجهلوها، ولو أنهم أعطوا أنفسهم فرصةً للتأمل بكتاب الله، وتدبر معانيه، والنظر في قواميس اللغة، لعلموا حقًّا مدى روعتها، ومدى إعجاز القرآن وإبهارهِم بمعانيه.

أمّا الأطفال، فالسبب يبدأ من المسبّب، وهم الأهل. الأطفال على ما عوّدتها تتعوّد، فلو عودت الطفل على اللغة العربية وسماع الأشعار السهلة للمبتدئين، والكلمات التي بالفصحى، لاعتاد ذلك وبرع به؛ أما إذا عودته على اللغة الإنجليزية والتكلم بها سيعتادها ويتقنها.

والسؤال هنا: كيف أُعود ابني على هذا؟
عندما يراكِ ابنك تتكلمين باللغة الإنجليزية وتخلطين كلامك بها، سيتعلم منكِ؛ لذلك استبدلي كلامك بالفصحى ليتعلم ويعتاد السماع.
وعندما تتركيه لشاشات التلفاز، والمحتويات التافهة؛ سيعتاد؛ لأنهم بالأغلب يتكلمون ببعض الكلمات الإنجليزية، فإنهم يرون بذلك الثقافة ويالصغر أفكارهم. وأحكي هذا مما شاهدته، فقريبٌ لي يبلغ من العمر عامين، كان لا يتكلم بالإنجليزية البتة، ولكن منذُ مدة عندما زرتهم وإذ به يقول، (yes)و (no) بدل العربية، والسبب كان مشاهدة التلفاز وبرامج الأطفال، وكان هناك إهمال من الأهل، بل وإعجاب بذكاء طفلهم أنه يتكلم بالإنجليزية، ولله الأمر.

ثمّ لما تترك طفلك بدون سماع القرآن بالمنزل؛ سيعتاد ذلك؛ لأنه سيجهل جمال لغته ولن يعتز بها طالما جهلها.

وإذا أردت أن تتجنبي ذلك لطفلك إليكِ بعض الأمور:

  • أن تعززي فيه حب لغته؛ لأنها لغة القرآن، وأن تختاري السور القصار وتفسيرها له، وأن تشرحي له بعض المعاني، وكلما عززت فيه حب القرآن وكلام الله ازداد حباً للغته.
  • أن تستبدلي المحتويات التافهة التي يراها بمحتوى هادف، مثلًا أشعار سهلة للأطفال تعزز فيهم معنى الرجولة، كأشعار الجاهلية، أو سماع أناشيد تهدف لنفس الغاية، وأن تكون كلماتها بالفصحى، وإذا استشكل عليه أمر تشرحين له.
  • ويمكنك أن تضعي له على قصص الأنبياء، هذا مما يحبه الأطفال، ونافع من ناحيتين: أنه يزيدهم معرفة بقصص أنبياهم مما ينمي لديهم حسن الأخلاق، والصدق والرجولة وغيرها من خصال الأنبياء الشريفة، ويجعلهم معتزون بدينهم، وأيضاً في قصص مثل هذه يتكلمون بالفصحى مما يساعده على تطوير لغته ويجعله يعتاد على سماع الكلام بالفصحى  فيأنف من اللغة الإنجليزية.
  • أن تشتري له بعض قواميس اللغة العربية حتى إذا استشكل عليه كلمة يرجع لها فيبحث؛ وهذا نافع له فهو يزيد مهارة البحث والاطلاع وأن يعتمد على نفسه، وهذا غير الفائدة الكبيرة المرجوة من هذه القواميس.

ويقول ابن تَيميّة -رحمهُ الله-: (اعلم أنّ اعتياد اللّغة العربيّة يؤثّر في العقل والخُلقِ والدّين تأثيرًا قويًّا، ويزيدهم زيادةً بيّنة).

أما الكبار؛ فالحل لا يحتاج سوى لصدق النية، فهو هين، فقط يتوكل على الله ويترك التكلم بها، ويرجع للقرآن ويتدبره ويتأمل معانيه، وسيعزز ذلك لديه حب لغته والافتخار بدينه وأنه عربي مسلم.

أما الصغار؛ إذا اعتادوا ذلك من الصغر، سيكبرون ويصعب عليهم الأمر جداً، ولربما يكون الأمر بالنسبة لهم محرج؛ فانتبهوا لأطفالكم يا رعاكم الله، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته.

والخطاب لكل أُم و أب، انتبهوا للأطفال وحببوا اللغة إليهم. ولكل أُخت و أخ، انتبهوا لإخوانكم فأنتم أيضًا مسؤولون أمام الله عنهم.

حبّبوا لغة القرآن لنفوسهِم وعززوها بقلوبهم، ونفروهم من لغة الكفار؛ فلغتنا هي أعظم لغة وأجملها، فهي ليست كباقي اللغات، هي لغة نزل بها القرآن وأعظم كلام كلام الله.
ألا يكفينا بهذا فخرًا وعزًا؟

يقول الرافعي: (كانت اللغةُ العربيَّةُ مَملكةً بلا حاكِمٍ حتّىٰ جاءَها القُرآن).

ويقول علي الطنطاوي -رحمه الله-: (إنَّ اللغة العربية معجزة الذهن البشري، وأعجوبة التاريخ في عصوره كُلِّها).

ثُمَّ إنَّ لغتنا لم تتغير على مر العصور منذ خلق الله آدم كما هي، أما اللغة الإنجليزية لو رجعتم للعصور السابقة لعلمتم كم اختلفت وتغيرت، حتى الإنسان الذي أصله إنجليزي بعض كتب الفلاسفة الأقادم لديهم لا يستطيعوا فهمها لأنَّ اللغة اختلفت؛ فليسَ في الكتاب ما هو الآن مستخدم بالمصطلحات.

فيالها من نعمة أننا مسلمون عرب، نستطيع قراءة القرآن والتكلم بها من غير صعوبة، والله إنها من النعم لمن أدركها، لو تفكرتم قليلًا بالمسلمين غير العرب كم يعانون بتعلمها ويصعب عليهم قراءة كلام ربهم؛ لحمدتم الله على هذه النعمة، وعلى الشرف الذي اختصكم به.

وتأمل قول الرافعي وخُذ منه عبرةً: (والّذي أراهُ أنّ نهضةَ هذا الشّرقِ العربيّ لا تُعتَبَرُ قائمةً على أساسٍ وطيدٍ إلّا إذا نهضَ بها الرُّكنانِ الخالدان: الدّين الإسلاميُّ واللُّغة العربيّة).

وأختم بما قاله الأستاذ محمد يحيى عن اللغة العربية، أختصرها ببلاغة وإيجاز وهي:

لُغَةُ البَيَانِ، وَمنْطِقُ القرآن
وَفَرَادةٌ فِيهَا، وسِحْرُ لِسَانِ

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة