لاحظت ولدي ذا الثمان سنوات يجلس في ركن بمفرده، ويتمتم بكلمات غير مفهومة، وقد شحذ تركيزه كله فلم يشعر بي وأنا أراقبه. ناديته؛ فلم يسمعني. اضطررت لتكرار النداء حتى التفت لي متفاجئ بأني أناديه، وأجابني.
سألته: ماذا تقول يا حبيبي بكل هذا التركيز؟ وابتسمت له.
ابتسم هو بدوره خجلاً، وخفض رأسه.
قلت له: ألم أنصحك مراراً ألا تخفض رأسك؟ فرفع رأسه ونظر إلي. فبادرته: ها ماذا كنت تردد؟
رد علي خجلاً: أخبرك ولا تضحكي علي؟
رددت على الفور: بإذن الله لن أفعل.
أبعد عينيه عني وقال: كنت أحفظ أسئلة القبر!
دُهشت للحظة غير مستوعبة عما يتحدث، وقلت: أي أسئلة؟ وكيف كنت تحفظها؟
قال: كنت أحفظ من ربك؟ الله، ما دينك؟ الإسلام، من نبيك؟ محمد صلى الله عليه وسلم.
قلت بدهشة : أنت تعرفها جيداً، لماذا ترددها؟
قال: حتى لا أنساها حين تسألني الملائكة في القبر، ألم تخبريني أن الملائكة سيسألوني في القبر هذه الأسئلة؟
رددت على سؤاله بسؤال آخر: ما رأيك لو كافر حفظ هذه الأسئلة والإجابات، هل سيجيبها في القبر؟
سكت: ثم قال لا أعرف، أود أن أعرف منك الإجابة؟
قلت: عملنا في الدنيا هو ما يجعلنا نجيب في القبر، من عاش على هذه الأصول قولاً وعملاً واعتقاداً، فجعل القرآن الكريم هو دستوره الذي يحيا به والنبي صلى الله عليه وسلم قدوته وأطاعه فيما أمر واجتنب ما نهى عنه، وعرف ربه ولم يشرك معه أحدًا ولا شيئاً؛ هذا سيجيب بإذن الله حتى لو لم يحفظ الأسئلة كما تفعل، ومن لم يعمل بهذا فلن يستطيع الإجابة حتى لو عاش كل عمره يحفظها.
سكت قليلا وأنا أراه يقلب الكلام في رأسه،
ثم استطردت قائلة: تعرف المسيح الدجال؟
رد: نعم .
قلت: ما مكتوب على جبينه؟
قال: كافر.
قلت: من سيقرأها؟
قال: المؤمن.
قلت: حتى لو كان لا يعرف القراءة ؟
رد: نعم؛ هذا ما أخبرتني به.
قلت: والكافر؟
قال: لن يقرأها.
قلت: حتى لو وصل لأعلى درجات العلم؟
قال: نعم.
قلت: هذا يشبه ذاك، ما جعل المؤمن يقرأ هو إيمانه، وما سيجعله يجيب في القبر بإذن الله هو إيمانه وعمله.
قال: الآن فهمت، جزاك الله خيراً يا أمي.
سكتُّ أنا وسكت هو، استرقت النظر إليه فإذا به يمتم من جديد. قلت له: وماذا الآن؟
قال: أزرع نخل في الجنة يا أمي أليس من يملك نخلاً في الجنة سيكون من أهلها بإذن الله.
اندهشت وقلت: بارك الله هذا الفهم وهذا الرجاء، نرجو يا حبيبي وهذا ظننا بربنا الكريم جل جلاله.
انصرفت لأنهي أعمالي وتركته يزرع النخل ويعمر أرض الجنة بالذكر بإذن الله تعالى.