ولما جاء أحد عشر قسماً في القرآن متحدثاً عن تزكية النفس، قال تعالى
{وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَـٰهَا (1) وَٱلۡقَمَرِ إِذَا تَلَـٰهَا (2) وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلَّـٰهَا (3) وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَـٰهَا (4) وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَـٰهَا (5) وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا طَحَـٰهَا (6) وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَ ٰهَا (8)}؛
دل تكرار القسم على أن جواب القسم عظيم ومهم ومركزي جداً، فحريٌّ بنا أن نقف عند مركزية التزكية في الإسلام وتأثيرها إيجاباً وسلباً إذا تحققت أو إذا فقدت.
فالإنسان الذي يرجو أن يكون له أثراً طيباً حسناً، نافعاً للناس مصلحاً لهم، لا بد له من استشعار أهمية التزكية والتركيز على المكون الداخلي الإيماني، إذ بدونه قد يضل الإنسان ويفسد من حيث أراد الإصلاح. فأغلب أمراض الأمة عائدة لأمراض القلوب، والتي هي من ضعف التزكية؛ فالنفس إذا استقامت بنور القرآن كانت كالشمس في قوة ضحاها.
وقد تكررت قضية التزكية في كتاب الله سبحانه وتعالى، ومن صور ذلك قوله سبحانه وتعالى
{وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ.جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّىٰ}؛
فكان هذا النعيم وهذه الدرجات جزاء لمن تزكى. وأيضاً قوله سبحانه وتعالى
{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ}،
ونهي النفس عن الهوى هو من صميم التزكية.
وكانت التزكية مقصداً من المقاصد التي بعث بها الأنبياء والرسل بل ومن أهمها:
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}، وكثيرة هي الآيات الدالة على مركزية التزكية في حياة المؤمن وأعمال القلوب فعليهما مدار الفلاح: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّىٰ}.
ولنا في النبي ﷺ أسوة؛ فقد كان من دعائه ﷺ: “اللهمَّ آتِ نفسي تقواها، وزكِّهَا أنت خيرُ من زَكَّاهَا، أنت وَلِيُّهَا ومولاها، اللهمَّ إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن نَفْسٍ لا تشبع، ومن دعوةٍ لا يُستجاب لها”، وهذه من الأسباب التي تدل على أن تزكية النفس في الشريعة أمر أساسي محوري يترتب عليه الجنة والفلاح.
ما لم تحمل النفوس داخلها تزكية تليق بالعلم الشريف والغايات العظمى؛ فإنها لن تكون أهلاً لها، فحاجتنا اليوم للبناء النفسي التزكوي كحاجتنا للتأسيس المعرفي المنهجي أو أشد، والتمكين يوجب التزكية والتطهير.