تأملت أحوال الصوفية والزهاد، فرأيت أكثرها منحرفًا عن الشريعة، بين جهل بالشرع، وابتداع بالرأي، يستدلون بآيات لا يفهمون معناها، وبأحاديث لها أسباب، وجمهورها لا يثبت.
فمن ذلك أنهم سمعوا في القرآن العزيز:
﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ «آل عمران: ١٨٥»،
﴿أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ﴾ «الحديد: ٢٠»،
ثم سمعوا في الحديث: «للدنيا أهون على الله من شاة ميتة على أهلها»، فبالغوا في هجرها من غير بحث عن حقيقتها، وذلك أنه ما لم يعرف حقيقة الشي، فلا يجوز أن يمدح ولا أن يذم.
فجاء أقوام، فأظهروا التزهد، وابتكروا طريقة زينها لهم الهوى، ثم تطلبوا لها الدليل، وإنما ينبغي للإنسان أن يتبع الدليل، لا أن يتبع طريقًا، ويتطلب دليلها.
ثم انقسموا:
- ١- فمنهم متصنع في الظاهر، ليث الشرى في الباطن، يتناول في خلواته الشهوات، وينعكف على اللذات، ويرى الناس بزيه أنه متصوف متزهد، وما تزهد إلا القميص، وإذا نظر إلى أحواله، فعنده كِبْرُ فرعون.
- ٢- ومنهم سليم الباطن، إلا أنه في الشرع جاهل.
- ٣- ومنهم من تصدر، وصنف، فاقتدى به الجاهلون في هذه الطريقة، وكانوا كعمي اتبعوا أعمى، ولو أنهم تلمحوا للأمر الأول، الذي كان عليه الرسول ﷺ والصحابة، لما زاغوا.
وينقل عن أبي يزيد: أنه قال: تراعنت على نفسي، لحلفت لا أشرب الماء سنة. وهذا إذا صح عنه، كان خَطَأً قَبِيْحًا، وزلةً فاحشةً؛ لأن الماء ينفذ الأغذية إلى البدن، ولا يقوم مقامه شيء؛ فإذا لم يشرب، فقد سعى في أذى بدنه، وقد كان يستعذب الماء لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أفترى هذا فعل من يعلم أن نفسه ليست له، وأنه لا يجوز التصرف فيها إلا عن إذن مالكه؟!
وكذلك ينقلون عن بعض الصوفية أنه قال: سرت إلى مكة على طريق التوكل حافيًا، فكانت الشوكة تدخل في رجلي، فأحكها بالأرض، ولا أرفعها، وكان عَلَيَّ مسح، فكانت عيني إذا آلمتني، أدلكها بالمسح، فذهبت إحدى عيني.
وأمثال هذا كثير، وربما حملها القصاص على الكرامات، وعظموها عند العوام، فيخايل لهم أن فاعل هذا أعلى مرتبة من الشافعي وأحمد.
ولعمري، إن هذا من أعظم الذنوب، وأقبح العيوب: لأن الله تعالى قال:
﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ «النساء: ٢٩»،
وقال النبي ﷺ: «إن لنفسك عليك حقًّا».
وقد طلب أبو بكر -رضي الله عنه- في طريق الهجرة للنبي ﷺ ظلًّا، حتى رأى صخرة، ففرش له في ظلها.
📖صيد الخاطر