استيقظ من نومه فزعًا؛ فقد تأخر على العمل، ونادى بعجالة: (يا أسماء يا أسماء، أين قميصي الذي طلبت منك تجهيزه بالأمس؟ لقد تأخرت على العمل).
استيقظت أسماء وقد تذكرت للتو أمر القميص الذي طلب منها مرارًا تجهيزه وأكد على ذلك. وقالت في نفسها: (يا إلهي! لقد نسيت، ما العمل الآن؟ سأستدعي النصيحة التي قرأتها عند خبيرة العلاقات الأسرية).
فقامت من مكانها ومشت نحوه بغنج؛ ثم تحدثت بدلال: (تقصد القميص …)، ودون أن تكمل عبارتها، استشاط غاضبًا وصاح بها: (أين القميص؟ أحضريه الآن).
شعرت بالورطة، وقالت في نفسها: (لم تنفع هذه النصيحة، وأنا الآن في موضع خطأ وضعف، لأجرّب نصيحة الاستشارية الأسرية).
أظهرت أسماء ملامح الضعف والخضوع، وبدأت بالبكاء الشديد. وهنا جن جنون الزوج، وصاح قائلًا: (ما بك؟ هل جننتِ؟ أعطيني القميص واخرجي من أمامي حالًا).
وهنا سرت أسماء في نفسها وقالت: (حان وقت النصيحة التي ترضي الرجل على أية حال كما قال الخبراء)، فقالت على الفور: (حااااااضر)، وفي نفسها هذه هي الكلمة التي تصلح أي خلاف بين الزوجين، وخرجت مسرعة تاركةً خلفها زوجها يعاني من أزمة قلبية مفاجئة وشلل رعاش.
-كان حوارًا تخيليًّا-
تكتظ المواقع والمنتديات والمدونات بالنصائح التي لا تنتهي، والتحليلات والحوارات عن علاقة الزوج والزوجة، وكيف تتعاملين مع زوجك وكيف تتصرفين في المواقف بينكما.
والحقيقة أن هذا كله لا يعدو عن كونه تنظيرات وكلام عام لا يؤخذ كما هو، والزوجة الذكية هي التي تضع كل ذلك جانبًا في بداية حياتها، حتى تفهم زوجها أولًا بشكل قوي، وتفهم كيفية التعامل معه، ما يرضيه وما يغضبه، ما يحبه وما يكرهه، وما يمكن أن يسامح فيه وما لا يمكن المسامحة فيه.
فمما لا شك فيه أن لكل إنسان شخصية، ولكل شخصية مفاتيحها التي يُدخَل إليه منها، وطباعه وسماته الشخصية التي لا بد للبيبة أن تبحث عنها في بداية حياتهما، فتراقب أدق تفاصيل زوجها وتفتش عن ما يستثيره، وما يرضيه ويغضبه، فتتجنب ما يغضبه، وتفعل ما يرضيه. تراقب مواقع عينيه واهتماماته، وتصبر حتى تتأقلم وتتفهم عاداته وطباعه، كل هذا تفعله في صمت رزين حكيم.
إن فهمت شخصية زوجها جيدًا وحددت مداخله وسلبياته وإيجابياته مبكرًا، وأعطت لنفسها الفرصة لإيجاد أفضل طريقة للتعامل مع كل نقطة فيهم،
مع الاستجابة لفطرة الأنوثة التي أودعها رب العزة تبارك وتعالى فيها بكونها سكن واحتواء وما إلى ذلك من صفات تميزها وتجعل الرجل لا يستغني عنها كواحة لراحته من وعثاء الحياة القاسية؛ فلن تحتاج لكل هذا الكم من التنظيرات وأحيانًا المهاترات.
هل يفهم من الكلام أنه لا داعي للعلم والثقافة وأخذ الخبرة ممن سبقنا على ذات الدرب؟
بالطبع لا، فكل هذا أمر جيد وتُحمد عليه المرأة، إنما المقصد أن تنمي مهارة الأخذ والترك والتكييف فيما تسمع من نصائح وتوجيهات، وتستطيع تحديد مدى نفعهم لها، وكيف تضع كل نصيحة موضعها الصحيح حتى وإن كان سلة المهملات؛ فليس كل ما تسمعه ينفعها أو يصلحها، هي وحدها -بعد توفيق الله عز وجل- التي تعلم ما يصلح لحياتها ولشخصية زوجها.
مهمٌّ أن توقن المرأة أن بيتها هو مشروعها الذي عليها أن تحارب لأجل إنجاحه مهما كانت التحديات، وأن زوجها هو من أقصر طرق دخولها للجنة من أي أبوابها شاءت؛ فإنما هو جنتها ونارها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا لا شكّ بعد أداء حق الله عز وجل.
فنصيحتي لك: لا تكوني مثل أسماء.