ما أزال أذكر تلك الأيام؛ كان لدينا فيها أربعُ أرانبَ صغار، كبروا ووصلوا إلى عمر التزاوج، والمصادفة أنه كان منهم اثنان ذكر، واثنان أنثى. أحد الذكرين سيطر على الوضع وأخذ الأنثيين زوجات له، وبقي الذكر الآخر تائهاً بينهم.
كانت تحصل للأخير مضايقات من الذكر المسيطر؛ وكان دائماً يحاول إبعاده عن زوجتيه. حاولنا أن نضع بينهم حاجزاً لكن دون جدوى؛ فكان يتهجم عليه بشكل مستمر ويعضه محاولاً جعله عقيماً لدرجة أنه كان ينزف دماً! يا الله! انظروا للغيرة.
أدركتم أننا لسنا هنا لنحكي قصة قبل النوم؛ إنما قصة لتستيقظوا على إثرها ولتأخذوا العبرة منها؟ فانظروا إلى الحيوان كيف يغار على أنثاه؛ وانظروا إلى أين وصلت غيرة كثير من الرجال اليوم!
و حقيقةً؛ الناظر إلى فساد النساء اليوم يجد أن جزءاً كبيراً منه سببه دياثة رجالهن. وجاء في الموسوعة الفقهية: “عُرفت الدياثة بألفاظ متقاربة يجمعها معنى واحد لا تخرج عن المعنى اللغوي وهو عدم الغيرة على الأهل والمحارم”.
وقال ابن القيم رحمه الله عن الغيرة:
(هي أصل الدين، ومن لا غيرة له لا دين له، فالغيرة تحمي القلب فتحمي له الجوارح فتدفع السوء والفواحش، وعدم الغيرة تميت القلب فتموت الجوارح فلا يبقى عندها دفع البتة، فمثلها في القلب مثل المناعة التي تدفع المرض وتقاومه فإذا ذهبت وجدَ المرض المحل قابلاً ولم يجد دافعًا فتمكن فكان الهلاك).
فالذي لا يغار على أهله هذا ممسوخة فطرته وهو أردى من الحيوان، وهذا الفعل المشين عليه وعيد شديد؛ قال رسول الله ﷺ: “ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمترجلة، والديوث” رواه أحمد والنسائي.
فلو أن كل واحدٍ اتقى الله في نفسه وفي أهله و أمسك نساءه عن الحرام؛ ما كنَّا لنرى هذا التفلت العظيم من قِبل الجنسين! وإن الإنسان والله ليعجب؛ كيف لرجل من المفترض أنه يؤمن بالله واليوم الآخر يرضى لنسائه الخروج أمام الشاشات بكامل زينتهن، ينظر لهن كل من هبَّ ودب؟ وكيف يرضى لأبنائه أو بناته إقامة العلاقات والصداقات بين الجنسين؟ والكثير من الأمثلة التي لا حصر لها.
والانفتاح وهيمنة الغرب لن يبرر كلّ هذه الخسة والدناءة وخيانة الرعية؛ فأنت إذا كنت مسلماً فيجب عليك أن تتبع ما أُمرت به بدون شروط أو مسايرات.
ولا يعني توجيه الخطاب للرجل أن النساء يخرجن عن هذا؛ بل يجب أن تغار المرأة على حرمات الله وتتقي الله في نفسها وأهلها، ولا يختص الأمر بالرجل فقط؛ ولكن لأنه القوَّام والمسؤول عن أهله وُجِّه الخطاب له أولاً والله المستعان.