لطالما حرص نبينا صلى الله عليه وسلم على التمايز بين المسلمين وغيرهم، سواء كانوا مشركين أو من أهل الكتاب، ولطالما أمر المسلمين بذلك التمايز والمخالفة لهم، ولطالما نهانا عن التشبه بهم حتى في أقل الأمور وأبسطها؛ بل كان هذا هو خلق نبينا صلى الله عليه وسلم.
كان صلى الله عليه وسلم يحرص على مخالفتهم حتى في أبسط الأمور، لك أن تتخيل أن حتى تصفيف الشعر كان يحرص فيه على التمايز، أهناك أبسط من ذلك؟ حين كان نبينا الكريم صلوات ربى عليه في مكة؛ كان يسرح شعره كله للخلف ليخالف المشركين، وحين ذهب إلى المدينة ووجد أن أهل الكتاب يسرحوه للخلف، خالفهم، وفرق شعره من المنتصف، وكان يشترط عليهم ألا يفرقوا شعورهم.
حين كان اليهود يصومون عاشوراء، نوى صلى الله عليه وسلم أن يصوم معه تاسوعاء، ليخالف اليهود. حتى الصلاة في النعال، خالفهم فيها، فكما جاء في سنن أبي داوود بإسناد صحيح عن سيدنا شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “خالِفوا اليَهودَ فإنَّهم لا يصلُّونَ في نعالِهِم ولا خفافِهِم”.
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه: “خَالِفُوا المُشْرِكِينَ؛ وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ”. تأمل لفظ خالفوا، وتأمل كون المخالفة لا تقتصر على المشركين فقط أو أهل الكتاب فقط.
كذلك الحديث الذي أخرجه الطبراني في الأوسط، قال صلى الله عليه وسلم: “طَهِّرُوا أَفْنِيَتَكُمْ، فَإِنَّ الْيَهُودَ لَا تُطَهِّرُ أَفْنِيَتَهَا”. وقال: “ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى، فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة بالأكف” رواه الترمذي.
ولا تخفى قصة الأذان على أحد.
المسلم عزيز أبي، معتزٌ بما يحمل من الهدى، مستقلُّ الشخصية لا يسير خلف أحد ولا يقلد أحداً، لا ينقصه هدى ولا ضياءاً ليكون كالإمعة يتبع غيره حيث سار.
ومن أشد ما يثير العجب هو أن يتشبه المسلم بغيره، وبينهما من مسافات البعد والاختلاف ما بين السماوات والأرض، وكيف يتساوى صاحب الحق مع غيره؟ فالله عز وجل لم يسو بينهما فقال عز وجل:
{أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ* مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:٣٥، ٣٦]، {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: ٢٨]؛
فهؤلاء يُصلحون وأولئك يفسدون؛ فكيف يستوون؟
ومن المحزن أن يسعى المسلمون في المشركين بالاتباع والتقليد بل وبالتعظيم، رغم تحذير نبينا صلى الله عليه وسلم لنا؛ ولكنها سنن الله التي لا تتخلف، نلنا العزة باتباع شرع ربنا عز وجل، وكلما انحرفنا عنها، كلما تحقق فينا قول النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخلنا جحر الضب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لتتبعن سنة من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم”، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: “فمن”؟ رواه البخاري ومسلم.
فياللعجب ممن اصطفاه الله عز وجل مسلماً عزيزاً أبياً؛ فيختار هو الدون والتبعية.