ترسم لابنك طريقاً واضحاً تماماً بكل محطاته لسعيه في الدنيا، ولا تمد حتى خط تام بينه وبين الآخرة. تضع لابنك هدفاً دنيويّاً واضحاً وتضخمه في نفسه ولا تفتأ تذكره به، وتنسى أن تجعل الجنة هدفه الأعظم. تذلل لابنك كل صعب وعسير في سعيه للفوز بالدنيا، وربما وقفت حجر عثرة بينه وبين الآخرة.
تدل ابنك على كل قدوة وكل عظيم في نظرك في الدنيا، وتوعد أن تدله على ربه وخالقه المنعم سبحانه. تخشى على ابنك أن يضل سعيه فلا يصل لمبتغاه أو قل مبتغاك فيه في الدنيا، بينما تتركه هائماً على وجهه حين يتعلق الأمر بالآخرة.
يظل المسكين يتخبط في الدنيا وفي شِعبها، لا يدري لماذا خُلق، وكيف يحيى حياة صحيحة، وإلام سيصل.
يظل تائهاً في دهاليز الحياة، يظن أن غاية النعيم، لا تدرك إلا بتلك الكلية أو هذه الشهادة وتلك الوظيفة وهذا الدخل والبيت والسيارة والشهرة ووو، معمياً تماماً عما ينتظره. والمحظوظ من دبر الله له أمراً ينبهه لحياته الحقيقية، ويخبره أن كل هذا وهم وعرض زائل، وربما يزول أقرب مما يتخيل.
أصدق نفسك بالله عليك، إن لم يكن ذلك هو تضييع الأمانة، فماذا؟ تترك فلذة كبدك هائماً في الدنيا، فريسة لها ولزينتها والهوى والشياطين الإنس والجن، لم تصدق في نصحه يوماً، ولم تخبره عن الحقيقة، والأدهى أنك لا تترك له فرصة ليعرفها بنفسه؛ بل دائما ما تعرفه بالدنيا بيديك، لا تترك له حتى ثقب إبرة يتنفس منه هواء الآخرة وريح الجنة، اللهم إلا ذكر للجنة على استحياء بل بثقة أنكم من أهلها ولو لم تفعلوا شيئاً، يكفي أنكم تعملون في الدنيا!
أي عمل هذا وأي استحقاقية تلك التي تزرعها في ولدك؛ بل ربما أهلكته حين ظن أن الجنة حق مكتسب له، سيبلغه لا محالة!
لم يكن هذا أبداً نهج النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تتخيل أنك بما تفعل قد أديت حق ابنك، مخطئ تماماً؛ بل حقه ما أمرك به الله عز وجل: {قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة}. حقه أن تخبره أنه لم يخلق لهذه الدار، فلا يقتصر سعيه أبداً عليها؛ بل لا يقدم سعيه لأجلها على سعيه لأجل الآخرة، أن تخبره عن القبر ويوم الحساب والنار، وأن الدنيا بأسرها ما هي إلا مطية ووسيلة البلوغ الجنة.
أخبره وكرر دوماً قول ربه جل وعلا: {والآخرة خير وأبقى}؛ أي والدار الآخرة أي الجنة أفضل و أدوم من الدنيا. وقول نبيه -صلى الله عليه وسلم-: “ما الدنيا في الآخرة إلا كما يضع أحدكم أصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع” حديث صحيح. وهذا الأثر المهيب عن مالك بن دينار: (لو كانت الدنيا من ذهب يفنى، والآخرة من خزف يبقى، لكان الواجب أن يؤثر خزف يبقى، على ذهب يفنى؛ فكيف والآخرة من ذهب يبقى، والدنيا من خزف يفنى).