اليوم المجيد

|

اليوم المجيد

لقد كان يوماً من أيام الله؛ حينما اجتاح المقاومون الفلسطينيون الأراضي المحتلة المتاخمة لقطاع غزة، في صباح يوم السبت السابع من أكتوبر عام ألفين وثلاثة وعشرين للميلاد، الموافق للثاني والعشرين من ربيع الأول عام ألف وأربعمائة وخمسة وأربعين للهجرة؛ رداً على انتهاكات الاحتلال للمسجد الأقصى المبارك، واعتداء المستوطنين على الفلسطينيين في القدس والضفة والداخل المحتل.

اخترق ألفان وخمسمائة مجاهد غلاف غزة بسيارات رباعية، ودراجات نارية، وطائرات شراعية، واجتاحوها اجتياحاً حقيقياً في رابعة النهار، وكان منسقاً ومفاجئاً للعالم كله؛ إذ كيف لبضعة جنود في فصيل أن يعثوا فساداً في جيش من المفروض أنه لا يقهر، وفي مواقع شديدة التحصين بالقبة الحديدية؟ ماذا حدث للمنظومة الاستخباراتية؟ وما محل منظومة الردع التي لا تهزم من الإعراب؟

سيطر المجاهدون الأبطال على المواقع العسكرية في سديروت، وأوفاكيم، ونيفوت، وخاضوا اشتباكات بطولية، وأسروا جنوداً ومستوطنين، واقتادوهم كالجرذان إلى غزة، واغتنموا آليات عسكرية.

لقد كان يوماً مجيداً وطوفاناً حقيقياً؛ ما زال يجرف معه كل رداء مزيف، ويعري النوايا، ويظهر الأشياء على حقيقتها في هذا العالم الذي ضاق ذرعاً بالنفاق والأكاذيب. ومهما قيل عن هذا الطوفان في محاولة بائسة لتجريمه، وتحقيره، وإذلال أهله؛ فسيبقى جلّادهم ما شاء الله أن يبقى.

فاستعلِ بالإيمان يا طوفان، وذكرهم بأيام الله. خبِّرهم أن أكذوبة الجيش الذي لا يقهر، ومنظومة الردع التي لا يهزمها أحد؛ لن تنطلي على المسلم الذي اعتز بإسلامه، وأن الانهزامية التي دبت في المسلمين، قد بدأ اقتلاع جذورها.
خبِّرهم يا طوفان أنك فتح حقيقي؛ فإن لم تكن فتحاً للأراضي والأمصار، فأنت فتح في نفوس هذه الأمة ومعنوياتها، ومهما بلغ الضعف منها مبلغاً عظيماً؛ فإن جيل النصر والخلافة قد بدأ ينضج على مهل، حتى إذا أينع واشتد عوده، فسيكون طوفاناً آخر، لا يُبقي من رؤوس الشر والنفاق ولا يذر.

ذكِّرهم يا طوفان بعزة المسلم الذي لا يستسلم للانهزام حتى آخر رمق، ولنا في معركة “ملاذ كرد” عام ألف وواحد وسبعين للميلاد عبرة ودليل، حيث لملمت أوروبا الكافرة نفسها، وجاءت في خيلائها على أعتاب بلاد المسلمين، في جيش كبير مقداره ستمائة ألف مقاتل، معهم ألف منجنيق، وكل منجنيق يجره مئة ثور. كل ذلك من أجل إبادة المسلمين عن بكرة أبيهم، وهدم الكعبة المشرفة. وأعلنوها حرباً مقدسة يقودها البابا، ومعه خمسة وثلاثون ألف بطريرك، وما لا يحصى من العدة والعتاد.

ماذا عن المسلمين؟ كيف كان حالهم؟ وماذا كان ردهم؟ لقد كان المسلمون يومئذ في ضعف شديد تحت حكم الخلافة العباسية، إذ ليس لهم من الجنود إلا ثلاثة آلاف لا خدمة لهم إلا الخروج في موكب الخلافة. لكن هناك على مشارف الخلافة إمارة صغيرة، جعلت من نفسها حارسة للحدود، ترد هجمات البيزنطيين على قدر الاستطاعة، فتنتصر مرة وتهزم أخرى. إنها إمارة السلاجقة، وأميرها القائد العظيم ألب أرسلان، حيث سمع بخبر أوروبا، وقد كان عائداً من خراسان بعد حرب خاضها بجيش مقداره واحد وعشرون ألف مقاتل، فأسرع بالعودة لسد هذا الثغر، والذود عن حمى الإسلام.

حاول أرسلان أن يغري البيزنطينيين من أجل الرجوع إلى بلادهم فأبوا، فأرسل إلى الخليفة العباسي طالباً منه المدد والعون فلم يجبه؛ وكيف يجيبه وهو لا يملك عدة ولا عتاداً ولا قوة؟ فبعث الرسل يستثيرون حماسة المسلمين في الأقطار فلم يلبي نداءه إلا القليل. وفي هذا الظرف العصيب، وقف أرسلان شامخاً عزيزاً ولسان حاله: كيف يموت الإسلام وأنا حي؟ وخطب في الناس قائلاً: (من أراد الجهاد فليبقى، ومن أراد الانصراف فليقدم عذره لله وينصرف).
ولما كان يوم المعركة، صلى ألب أرسلان بالجيش، وبكى بكاءً شديداً، ودعا الله طويلاً، وقال: (من أراد منكم أن يرجع فليرجع، فإنه لا سلطان هنا إلا لله)، وعقد ذنب فرسه وامتطاه، ونادى بأعلى صوته: (إن هُزمت فإني لا أرجع أبدا، فإن ساحة الحرب تغدو قبري).

ونظر الله إلى قلب هذا القائد العزيز، وهمته وصدقه؛ ففتح على يده فتحاً مبيناً، وغلبت القلة المؤمنة الكثرة الكافرة، وكان يوماً عظيماً من أيام الله.

ألا يا أمة الإسلام، اعتصمي بحبل الله ولا تفرقي، واعلمي أن القوة ليست قوة عتاد وتعداد، بقدر ما هي قوة قلوب استعلت بإيمانها، وإن كان ذلك مطلوباً وجزءاً لا يتجزأ من خطة إعدادها.

من ذا الذي رفع السيوف ليرفعا
اسمكَ فوق هامات النجوم منارا
كنا جبالا في الجبال وربــــــــــــــــــــــــــــــــــــما
سرنا على موج البحار بحـــــــــــــــــــــــــــــــــارا
بمعابد الإفرنج كان أذاننـــــــــــــــــــــــــــــــــــا
قبل الكتائب يفتح الأمصــــــــــــــــــــــارا
لن تنسى إفريقيا ولا حمراؤهـــــــــــــا
سجداتنا والأرض تقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــذف
كنا نقدم للسيوف صدورنــــــــــــــــــــــــــــــــا
لم نَخْشَ يوما غاشما جبّـــــــــــــــــــــــــــــارا
لم نخشَ طاغوتا يحاربنا ولـــــــــــــــــــــــو
نصب المنايا حولنا أســــــــــــــــــــــــــــــــــوارا
ندعوا جهارا لا إله سوى الــــــــــــــــــــذي
خلق الوجود وقدّر الأقـــــــــــــــــــــــــــــــــدارا
ورؤوسنا يا رب فوق أكفنــــــــــــــــــــــــــــــــــا
نرجو ثوابك مغنما وجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــوارا
كنا نرى الأصنام من ذهـــــــــــــــــــــــــــــــــب فنهدمها ونهدم فوقها الكفــــــــــــارا لو كان غير المسلمين لحــــــــــــــازها كنزا وصاغ الحلي والدينـــــــــــــــــــــــــــــــــار

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة