الحب أمره صعب، ويصعب التحكم به، وهو قلبي بحت، وكثير من الأوقات لا يقبل بوجود العقل معه، إذ يسيطر على العقل والقلب بآنٍ واحد. فكيف الفكاك منه؟
أحيانًا، قد تقع الفتاة بحب من ليسَ هناك سبيل لوصاله، وأقصد هنا الحب العفيف الطاهر الذي تتحكم به، ولا يدفعها للعلاقات المحرمة أو غيرها والعياذ بالله؛ لكنه يبقى عذاباً لصاحبته، إذ هي بين رغبة بأن يتقدم لها وبين رهبة من أن يتزوج غيرها وتتفرق بينهم السبل.
الحب قبل الزواج هو حريق للقلب، لا تخرجي منه إلا وقلبك محترق منطفئ، وإيحائه يتطلب جهد كبير من الطرف الآخر والتضحية، وهذا صعب إذ ليسَ هناك رجل يضحي لأجل فتاة لا تبادره نفس المشاعر، ويشتعل قلبيهما بشعلة الحب.
والحب قبل الزواج عذاب للفتاة، فعندما ستقدم على خطوة الزواج، لن تجد حب بقلبها لكي تهبه لزوجها؛ فقد أنهكت قلبها وعقلها ولم يعد هناك شغف للمجازفة. وهذا الحب كله بدأ من النفس بفراغ القلب أولاً، كما قال الشاعر:
أتاني هواها قبلَ أن أعرِفَ الهوى
فصادَفَ قلبًا خاليًا فتَمكَّنا
فاملئي قلبك بحب ربك لكي لا يتمكن منه أحد، ولن يحيي قلبك شيئاً سوى أن يمتلئ بحب الله، اسعي لمرضاته وطاعته، وابتعدي عن مالا يرضاه. واعلمي أن الله يغار على قلب عبده فمتى ما تعلق بغير الله عذب به.
سليمان عليه السلام عندما تعلق بخيله وألهاه عن طاعة الله؛ قتله، وعوضه الله بالخير الكثير. ويقول ابن القيم رحمه الله في “الداء والدواء” عن أضرار العشق: (أحدها: الاشتغال بحب المخلوق وذكره عن حب الرب تعالى وذكره، فلا يجتمع في القلب هذا وهذا إلا ويقهر أحدهما الآخر، ويكون السلطان والغلبة له).
أوقن بفكرة أن الفتاة حتى خطيبها يجب أن لا تحبه، وتحاول كبح قلبها قدرما تستطيع، فمن يدري إذا كان سينتهي بالزواج. وعليها أن لا تملكه قلبها حتى يتم عقد القران، وتضع يدها بيده. بهذه اللحظة المهيبة فلتسلم له قلبها، وتأمن عليه طالما هو الرجل الصالح، حينها فقط يمكنها فتح قلبها له ليملئه بالأزهار والحب، هنا ستسعدي عندما تبادليه نفس الحب الذي يملأ قلبه، وكان ينتظر هذه اللحظات ليبوح لكِ به، فيستقبله قلبك بكل دفئ ولينبض قلبك حينها بالحب.
فالحب بعد الزواج هو نِتاجُ المودّة وجزء منها، ومشاعره رزينة عاقلة نَضُجت على مهل، لتحيي بها كل قلوب أسرتها.
هل قلبك سيستطيع استقبال هذا الحب إذا كان هناك حب قديم أتلفه؟
لكن أبشري؛ فسفينة النجاة لم تذهب، ومن اليأس يأتي الأمل، فلا تبتأسي، واسمعي مني يا أخية:
انسي ما مضى، وتحلي بالصبر والرضى، لا تخدعي نفسك وتقولي لربما سيتقدم فلأنتظر، فالرجل عندما يحب يسعى بشتى الطرق للوصل، فإذا لم تري سعيه لأجلك فلتهربي من هذا الحب؛ فلن يجلب لكِ سوى الضُّر. ابدئي صفحة جديدة، اسقي قلبك وأحييه؛ لكي تستقبلي الحب الحلال بقلب آخر، ولكي تملئي قلب زوجك بالحب ويملأ قلبك؛ حتى لا يلتفت هذا القلب بعد لأحد.
فقلبك يملكه شخص واحد، حفظته له وأغلقتِ أبواب الفتن لأجله، وهو زوجك، وحده من يستحق هذا الحب. وكما قال الرافعي: (إنَّ نَفسَ الأُنثَى لرَجُلٍ واِحدٍ؛ لزَوجِها وَحدَه).
فيا أخية، لا تفتحيه لغيره، وأغلقي كل أبواب الدخول إليه، وانتظري نصيبك حتى يأتي؛ فيصيب قلبك بالغيث ويسقيه.