ما يحصل اليوم للأمة الإسلامية ليسَ بجديد، لو رجعنا لتاريخنا قليلاً ولِقَصص القرآن؛ لعلمنا أنه قد أصاب المسلمين ما هو أشد مما يحصل اليوم، وهي سنة الله بالأرض ومستمرة لقيام الساعة.
يقول ابن خلدون: (اعلم أن الحروب وأنواع المقاتلة، لم تزل واقعة في الخليقة منذ برأها الله، وهو أمر طبيعي في البشر، لا تخلوا عنه أمة ولا جيل).
والفكرة التي يتصورها البعض، وهي وصول البشرية للسلام الدائم من غير حرب وعداء، هو وهم وأولئك يعيشون في حياة وردية؛ لا أصل لها. والمداولة سنن من سنن الله، فقد يبغي العدو على المسلمين ويظلم؛ فيمهله الله ليمحص قلوب المؤمنين، ثم يهلكه وينجي المؤمنين. وذكر الله التداول بالقرآن فقال عز وجل: ﴿إِن يَمسَسكُم قَرحٌ فَقَد مَسَّ القَومَ قَرحٌ مِثلُهُ وَتِلكَ الأَيّامُ نُداوِلُها بَينَ النّاسِ﴾، وذكر سببها فقال سبحانه: ﴿وَلِيَعلَمَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا وَيَتَّخِذَ مِنكُم شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمينَ﴾ [آل عمران: ١٤٠].
وكما قال الشاعر أبو البقاء:
لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصــــــــــــانُ
فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنســــانُ هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُهــــــــا دُوَلٌ
مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمــــــــــــــــــانُ!
ومهما أمهل الله الظالمين المعتدين؛ فإنه يأتِ يوم تتداول فيه الأيام؛ فيهلك الله من ظلم ويقطع دابر المفسدين.
ولنا في قصص القرآن عبر في إهلاك الظالمين؛ ففرعون الذي ظلم وقال أنا ربكم وبغى وقتل الأطفال واستحيا النساء، كانت عاقبته:
﴿فَأَخَذناهُ وَجُنودَهُ فَنَبَذناهُم فِي اليَمِّ فَانظُر كَيفَ كانَ عاقِبَةُ الظّالِمينَ﴾ [القصص: ٤٠].
وقارون كانت نهايته:
﴿فَخَسَفنا بِهِ وَبِدارِهِ الأَرضَ فَما كانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرونَهُ مِن دونِ اللَّهِ وَما كانَ مِنَ المُنتَصِرينَ﴾ [القصص: ٨١].
ومنهم أبرهة وأبي جهل وأمية بن خلف، كلهم كانت نهايتهم واحدة؛ لكن بأنواع مختلفة من العذاب.
ولو تأملنا بقصص الصحابة والعذاب الذي ذاقوه من المشركين؛ لما تعجبنا مما يلقاه اليوم المسلمين، فقد عذبوا بعذاب تتزلزل منه الصم الصلاب.
قال خباب بن الأرت: شَكَوْنا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الكَعْبَةِ فَقُلْنا: ألا تَسْتَنْصِرُ لنا ألا تَدْعُو لَنا؟ فقالَ: “قدْ كانَ مَن قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ له في الأرْضِ، فيُجْعَلُ فيها، فيُجاءُ بالمِنْشارِ فيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، ويُمْشَطُ بأَمْشاطِ الحَدِيدِ، ما دُونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ، فَما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ، واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ، حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلَّا اللَّهَ، والذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ”.
وقد لقى مؤذن رسول الله ﷺ بلال بن رباح رضي الله عنه، من أذى المشركين مالم يلقه سواه، وبالرغم من الأذى الذي أصابه لم يتنازل عن كلمة التوحيد، ويقول أحدٌ أحدٌ. فقد كانت نفسه تهون في سبيل الله، وحين أتاه الموت كان يردد: (غدًا نلقىٰ الأحبَّة مُحمَّداً وَصَحبَه).
وقد لقى آل ياسر العذاب الشديد، وقتل أبو جهل سمية رضي الله عنها، طعنها برمحه طعنة دخلت من أسفل بطنها وخرجت من ظهرها؛ فكانت أول شهيدة بالإسلام.
وخباب بن الأرتِّ الذي لم يكن له عشيرة تحميه ولا عصبيَّة عنده فتؤويه، وقف بوجه قريش وأُمَّ أنمار وأخيها سباع بن عبد العزى، وأعلن إسلامه ونال منهم من العذاب ما نال. وقد جاء في كتاب صور من حياة الصحابة، أنه دخل على عمر بن الخطاب في خلافته، فأعلى عمر مجلسه وبالغ في تقريبه، وقال له: ما أحد أحق منك بهذا المجلس غيرُ بلال، ثم سأله عن أشد ما لقي من أذى المشركين، فاستحيا أن يخبره؛ فلما ألح عليه أزاح رداءه عن ظهره، فجفل عمر مِمَّا رأىٰ وقال: كيفَ صار ذلك؟
فقال خَبَّاب: أوقد المشركون لي حطباً حتى أصبحَ جمراً ثُمَّ نزعوا عني ثيابي، وجعلوا يجرونني عليه، حتى سقط لحمي عن عظام ظهري، ولم يطفئ النار إلا الماء الذي نَزَّ من جسدي.
أبعد هذا الألمِ من ألم؟
فليعلم الناس أنَّ ما يلقاه المسلمين اليوم من الأسرى وعلماء المسلمين والدعاة في السجون، وما يلقاه المستضعفين بفلسطين والسودان وسوريا والعراق وغيرها من البلدان؛ أنَّ الأيام تتداول، وأنه سيأتي يوم ويذل فيه الظالمين ويخذلون، ويعز فيه المؤمنين وينتصرون. وهناك الكثير من الحقد بقلوبنا عليهم، يدفعنا لنثأر للمستضعفين ولكل من ظلموهم من المسلمين، ولن نسكت ولن ننسى، وسيخرج من أصلاب هذه الأمة جيل يرفع راية الإسلام ويوحد الدول الإسلامية بإذن الله.
لا تبتئسوا، فمهما بغى الظالمين وعلوا؛ فمصيرهم الهلاك كالأمم السابقة.