أرأيتَ وأنتَ تُصلّي، وسجدتَ وهممت بالدعاء، واجتمعت عليك حاجاتك؛ حاجاتٌ تعجّ صدرك، وهمساتٌ تُبكي قلبك؛ ثم لا تدعو دعاءً واحدًا، وتختار الصمت؛ لكثرة ما تريد؟
أما رأيت حينها أنك زهدت في الدعاء، وما قدرت الله حقّ قدره، وبخلت على نفسك؟
أيا تاركًا لأعظم سبب، ويا مسيئًا للظن بمولاه، وظالمًا لنفسه، أما آن أوان أن تعلم أن الدعاء قوتك وصلتك بالله العزيز الجبار، وأن الله مالك الملك لا يعجزه طلبٌ ولا رجاء، وأن لنفسك عليك حقُّ أطرها على العبادة -فالدعاء هو العبادة- ووصلها بباريها، وحقُّ الدّعاء لها بخيري الدنيا والآخرة؟
أتستكبر عن عبادة ربك الذي قال عزّ من قائل
﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾؟
أتَحُدُّ قدرة الله وقوّته، وهو القائل جل ثناؤه
﴿مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾؟
أوتيأس من رحمته لتكاثر حاجاتك، وقد قال تقدّست أسماؤه وصفاته:
﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾؟
أتمنع نفسك خير الدنيا والآخرة لاجتماع الهموم عليك، وتأجج الحاجات في قلبك؟ أما عرفت من تدعو؟ أنت تدعو مالك الملك، ذا اليدين المبسوطتين، مالك خزائن الرزق، مدبّر الأمر، البر الوهاب. أنت تدعو ربًّا رحمنًا رحيمًا، قويًّا عزيزًا، لا يعجزه شيء سبحانه وتعالى.
وإنّي أعيذك بالله أن تزهد في دعائك وتتركه، وأن تسيء الظن بمولاك ورازقك، وأن تجني على نفسك وتظلمها.
تأمّل هذا الحديث، واعلم أنّك لن تُعدّم خيرًا من ربٍّ يضحك:
ثنا هدبة بن خالد، ثنا حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن حدس، عن أبي رزين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ضحك ربنا من قنوط عباده، وقرب غيره”. قال أبو رزين: يا رسول الله، ويضحك ربنا؟ قال: “نعم”. قال: لن نعدم من رب يضحك خيرًا.
ثم استعِن بالله ولا تعجز، واصبر على دعائك، وإن اجتمعت عليك حاجاتك ومطالبك؛ فداوم على الدعاء الذي علمّه نبيّنا -صلى الله عليه وسلم- لابنته فاطمة -رضي الله عنها-، وهو ما ورد عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لفاطمة -رضي الله عنها-: “ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به، أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين”.
أصلح الله قلبك وشأنك كله، ولا وكلك إلى نفسك، ولا حرمك خيرًا.