لقد أصاب أبطال الإسلام كبرياء المحتل الغاشم في مقتل؛ عندما أسقطوا شعاراته البائسة، وأساطيره التي لم يَكُفَّ يوما عن التَّغنِّي بها، وفرضها عقيدة في قلوب مذلولة منهزمة.
فها هي أسطورة “الجيش الذي لا يقهر” تدوسها الأقدام الشريفة، وأسطورة “الاستخبارات التي تعرف كل شيء” تُرْكَلُ وتُلْقَى بالمزابل، وأسطورة “الدولة التي تساعد ولا تحتاج إلى المساعدة” تُكسر شوكتها، وتُذبح من الوريد إلى الوريد.
ويلملم التنين المتعجرف كبرياءه الذي مُسِحت به الأرض، وعُفِّر بالتّراب، وليس لمثلنا إلا أن نعتذر للتراب هذه الجناية عليه؛ إذ جعلناه يلامس القذارة وهو الذي خلق طهوراً مترفعاً عن الدنس.
نعم، يلملم كبرياءه المتهالك بعد يوم واحد من بداية الطوفان المبارك، ويخرج من جحره ذلك النتن؛ ليعلن أن الحرب على غزة ستستمر طويلاً، وأنه سيغير الشرق الأوسط. أما وزير دفاعه “غالنت” فقد فاضت روحه الخبيثة بالقذارة وكلام السوء، ولا يليق كلام السوء إلا بأهله، قائلاً: (لقد أصدرت الأمر بفرض حصار كامل على قطاع غزة، لا كهرباء ولا غاز. كل شيء مغلق. نحن نقاتل حيوانات بشرية).
ثم يبدأ التنين المتعجرف بشنّ هجماته المتطرّفة والوحشية على القطاع، ويلقي أطناناً من المتفجرات على مدنيين عزّل، بمباركة من زعيم الشر ورأس الشيطان “أمريكا”. ولم يسلم من هذه الحرب الهوجاء بشر، ولا حجر، ولا شجر. الكل تحت المقصلة، والكل تحت النار، في سياسة عقاب جماعي لكل ما يدبّ على الأرض؛ بل للحياة والجماد على حد سواء.
أما المقاومون الأحرار، وخيرة ما أنجبت فلسطين بل أمة الإسلام؛ فيقفون كالطود العظيم في وجه هذا الذي يحسب نفسه شيئاً، ويريد أن يخرق الأرض ويبلغ الجبال طولاً.
ولكن هيهات، فإن لم يكن في غزة جبال؛ فهؤلاء الأبطال جبالها، لا زالوا يردّون القذيفة بالقذيفة، والصاروخ بالصاروخ؛ وقد تزينوا وتهيؤوا لموكب الشهادة، وتجلت فيهم شجاعة علي ابن أبي طالب وإقدامه، ولسان حالهم كمقاله:
أنا الذي سمتني أمي حيــــــــــــــــــــــــــدره
ضِرْغام آجَامٍ وليثٌ قَصْــــــــــــــــــــــــــــــــوَرَه
عَبْلُ الذِّراعين شديد القَصَــــــــــــــــــرَه
كليث غابات كريهِ المَنظَـــــــــــــــــــــــــرَه
أُكِيلُكُم بالسَّيفِ كَيْلَ السّندَرَه
أضربكم ضربا يَبِينُ الفَقَــــــــــــــــــــــــــــــــرَه
وأترك القِرن بقاع جــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــزره
أضرب بالسيف رقاب الكفـــــــــــــــــرة
ضرب غلام ماجد حَـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــزْوَرَه
من يترك الحق يُقوِّم صِغَـــــــــــــــــــــــرَه
أقتل منهم سبعةٌ أو عَشَـــــــــــــــــــــــــرَه
فكلهم أهل فسوق فجــــــــــــــــــــــــــــره
وما هي إلا بضعة أيام حتى بدأت تفوح رائحة كريهة من بعض النفوس، وقد اشتد الابتلاء؛ فأظهر الله أضغانها، وكشف ما تخفيه من الحقد.
رؤوس الخذلان والنفاق، لا تكفُّ عن الإرجاف والقدح في المقاومين الأحرار، وتحميلهم نتائج الدّمار والحرب، في مشهد بئيس لهذه الأمة، يكشف حجم ذلها وهوانها، وبعدها عن حقيقة التوحيد، وعقيدة الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، والبراء من هؤلاء الكفرة الفجرة، أينما كانوا وحيثما وُجِدوا.
ولم يكن هذا المشهد غريباً على هذه الأمة؛ فهو متكرِّر عبر تاريخها، كلما استلَّ أهل الحق سيوفهم في وجه الطغيان. فهذا هو السبيل، وتلك هي عَقَبَاتُه، وليس لأهل التوحيد الخِيَرَةُ من أمرهم؛ إذ لا مفرّ من المواجهة، وبذل الغالي والنفيس، وتجرع مرارة الصبر كما تجرعها الأوّلون؛ فسلعة الله ليست رخيصة، “ألا إن سلعة الله الجنة”.
ولنا في غزوة الأحزاب عبرة؛ إذ حوصرت المدينة واشتد عداء الكفار واليهود، وبلغت القلوب الحناجر، وبدأت تلك الفئة القذرة تنخر في جسد المجتمع، وتبث روح الضعف والخور، وتنشر الانهزامية بين أفراده؛ بتعظيم العدوّ، والاستهانة بقدرات المجاهدين وتحقيرها. وكلما رأوا روحاً للأمل والتفاؤل عملوا على وأدها وإبادتها بأقوالهم وفعالهم: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا}.
إنه تطور خطير في مراتب الجبن، لتلك النفوس المريضة بالنفاق، أورثها ذلة وهواناً، مازال لصيقاً بها حتى تموت ميتة الكلاب الضّالّة، جِيَفاً نتنة عافها كل شيء؛ فلا نامت أعين الجبناء.
{لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا مَّلْعُونِينَ ۖ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}
وإذا الجبان نهاك يوم كريهــــــــــــــــــــــــــــةٍ
خوفا عليك من ازدحام الجحفـــــــــــلِ
فاعصي مقالته ولا تحفل بهـــــــــــــــــــــــــــــــــا
وأقدم إذا حقّ اللقا فـــــــــــــــــــــــــــــــي الأول
واختر لنفسك منزلا تعلو بــــــــــــــــــــــــــــــــــــه
أو مت كريما تحت ظل القسطـــــــــل
فالموت لا ينجيك من آفاتــــــــــــــــــــــــــــــــه
حصن ولو شيّدته بالجنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدل
موت الفتى في عزة خير لـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه
من أن يبيت أسير طرف أكحـــــــــــــــــل
لا تسقني ماء الحياة بذلـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة
بل فاسقني بالعز كأس الحنظـــــــــــــــل
ماء الحياة بذلة كجهنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم
وجهنم بالعز أطيب منـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــزل