علينا أن نغرس في أبنائنا أن يطوِّعوا دنياهم لآخرتهم، وليس العكس.
نردد عليهم دائماً؛ نحن عبيد لله عز وجل، خُلِقنا لعبادته، وسعينا في الدنيا كله لننال رضاه عز وجل وجنته، والله عز وجل يحب أن يكون المسلم قوي عزيز سبَّاق؛ لذا لا بد أن نأخذ بالأسباب التي تعيننا على ذلك، وحينما أجد تلك الأسباب متعارضة مع أوامره سبحانه وتعالى، أرمي بها عرض الحائط غير آسف عليها، مهما خلت أنها نافعة، وحتى لو كانت نظرتي الضيقة أنها أفضل ما في الوجود، ولو زينها لي كل الناس.
وليس العكس، بمعنى ألا ألقنه أن تعليمك مثلاً ودراستك وشهادتك وعملك أهم ما في حياتك، عليك أن تحافظ عليهم وتسعى للأفضل فيهم وتكون مميز وماهر؛ فهذه عبادة والله خلقنا لكي نعمر الأرض.
تقريباً الكلام هو؛ لكن المدخل مختلف، غيّر أساس الكلام تماماً وقلب الآية رأساً على عقب.
الأول لو اضطر أن يضحي بشيء، بدون تردد بإذن الله سيضحي بالدنيا للآخرة، والثاني إن اضطر للتضحية، غالباً سيضحي بالآخرة لأجل الدنيا، ولعل الأمر يكون سوء تقدير منه لأنه يظن أن أي سعي بأي شكل وأي وسيلة سيكون نتيجته للآخرة، ويمكن أن ينسى الآخرة أصلاً مع انغماسه في الدنيا، والطامة الكبرى حينما يحاول تطويع الدين وتحريفه كي يخدم الدنيا ومساره فيها.
الفرق بين الأول والثاني هو المربي الذي غرس في الأول أن المركزية للآخرة وكل عمل نعمله لا بد أن يكون منبثق عن هذا المركز، أما الثاني فقد أوحى إليه المربي أن الدنيا أساس ومركز وفي حالة الاهتمام لأمر دينك، فاطمئن يمكن تكييف الأمر ليتناسب مع الدين؛ فإنما خُلقنا لعمارة الأرض!
علينا أن نهتم بالتفاصيل التي تثبت الغرس الأول وتقويه، فقبل أن أسأله عن دروسه، عليّ أن أسأله عن صلاته، وقبل أن أسأله عن واجباته؛ أسأله عن قرآنه وأذكاره ونوافله، وقبل أن أحثها على بذل الجهد في الدراسة؛ أحثها على ضبط حجابها. وهكذا في كل التفاصيل.
ألّا يرى تمعر وجهي لضياع بعض دروسه في حين أني لم أسأله أصلاً عن صلاته التي قد ضيعها، ولا يرى انتفاخ وجنتيّ لأنه نقص بعض الدرجات، وأنا لا أعبأ بصيامه وحجابها وقرآنهما!
هذه بمثابة رسائل تصل إليه سريعة جلية؛ أن الدنيا أهم وأعظم من الآخرة، وتلك هي الفتنة التي ألقيه بيدي فيها.