كان يحدثني أحد افراد عائلتي بحُرقة: عندما كان في السوق؛ شاهد رجلاً عجوزاً بثياب بالية، وسحنة متعبة، يمسك رُبع رغيف، كأنه منتهى آماله وآخر أحلامه وأقصى مراده. وقف عند بائع الحلويات الذي يصفُّ الصواني التي تتربعها كل أصناف الحلويّات خارج المتجر، وعند إحدى الصواني الفارغة إلا من قطعتين يتيمتين وبقايا قطر يشكل بُحيرة ذهبيّة صغيرة؛ بدأ يفتّت خبزته ويغمسها بالقطر، وكانت الضحكة تملأُ وجهه.
ودَدتُ أن تكون نهاية هذه القِصة أن يعطيه البائع قطعةً يشتري بها ضحكته.
موقف آخر بعد مُدة ليست بالقصيرة: رجُل هَرِم يستند على جِدار بائعِ الخضروات،سرقَت سنيّ العمر أسنانه، يقِف كطفل يَرقب حلواه، أمسك بندورة واحدة عجوزة بيدٍ مُرتجفة، ودسّها في جيبه.
رجلٌ أثقلت كاهلهُ احتياجات أسرته، أَغلق أصحاب الوظائف أبوابهم أمامه، وصرخت كرامته صرخات تقطع لها نياط قلبه، وبات حائراً أيهما يلبي!
في اليوم التالي تلثّم، واتجه إلى مرمى النفايات يجمع بقايا الطعام وما يمكنه بيعه من علب فارغة وقطع حديد صدئة.
لا تمرّ وتكتفي بالحوقلة! أضعف الإيمان أن يكون التغيير بلسانك. أعجِزت أن تمد يد العون لأخيك؟
لا تحدّق به هكذا وكأنه اعتاد على هذا، في داخله عوالم من الأسى لا تفنى، ومحيطات من الألم لا تجفّ.
لنكن صريحين أكثر مع أنفُسنا.
في كثير من الأحيان نستطيع أن نَكون من يرسم النهاية السعيدة لكل قصة مررنا بها -إن شاء الله لها أن تكون كذلك-.
في قول رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: “لاتنزع الرحمة إلا من شقيّ”. وكما يُقال: من سار بين الناس جابراً للخواطر أدركه الله في جوف المخاطر. فاستودع عند ربّك أعمالاً تكون خير مُنقذ لك في الدنيا والآخرة.
فيما يلي بعضُ الطرق لتزيح همّ كائن مثلك دون أن تطيح بكرامته أرضاً:
- أن تحمَل كيساً وتضع بهِ من كل صنفٍ من الخضروات زوجين اثنين (هذه هدية لك يا عمّ)
- تحمل من جيبك مبلغاً، وتتصنّع الركض اعذُرني رأيت هذه النقود سقطت من جيبك.
- بابتسامة؛ هذه رسالة لك (وتضع داخل المظروف مبلغاً من المال).
- أن تشتري من الباعة المُتجوّلين وتعطيهم مبلغاً أكبر من ثمن ما اشتريت، وتتصنّع أنّك لا تملك غيرها.
ثم ولِّ وجهك ولا تنتظر شُكراً؛ صفقتك مع الله، لا يضيع عندَه معروف قط، حاشاه! صَدقني ستنسى ما هو المبلغ الذي صرفته على الخضروات أو غيرها عندما يتشرّب قلبك ضحكة من منحت، قد أخذت منه شعوراً يُحييك ليومين آخرين، شعور العطاء لا يضاهيه شعور.
ربما لم تَكُن قصة؛ بل موقفٌ عابر بالنسبة لك. كن متيقناً أنّها كانت وسادة لقلب مُتعب، ودغدغة لروح ما ضحكت منذ سنوات.
خُذ خطوة، ولا تنتظرها من غيرك قائلاً: (من المؤكد سيساعدهم غيري).