يقولون أنّ المقاومة لم تتجهّز لهذه الحرب الضروس، في مواجهة أعتى جيش في العالم!
وماذا عن سلاح الأنفاق؟
ذلك السلاح الاستراتيجي المرعب للمحتل الإسرائيلي. مدينة كاملة تحت الأرض، تتوزع كشبكة عنكبوتية محكمة البناء، بطول أكثر من خمسمائة كيلومتر، تضم ألفاً وثلاثمائة نفق، يبلغ عمق بعضها سبعون متراً، وقد صُمِّمت تصميماً دقيقاً؛ فاشتملت على غرف قيادة، ومخازن أسلحة، وأغذية، وأدوية، وأنظمة متطورة للتهوية، وشبكة اتصالات مشفرة.
الأنفاق، جبهة الحرب الخفية، ذات الأدوار اللوجستية، والهجوميّة، والدفاعية، التي تكسر شوكة الاحتلال وتحطم كبرياءه؛ فكانت بحق مصيدة الموت.
فياله من اختراع ولد من رحم المعاناة بعقول مبدعة، وقلوب يملؤها الإيمان، وأرواح تحلِّق في سماء التوحيد لله رب العالمين.
إنني عندما أتأمل في هذا الإنجاز الكبير، والمهمة العظمى التي نفذها شباب غزة على مر خمسة عشر سنة من الزمان؛ أستشعر قوة دين التوحيد، وقدرته على صناعة رجال المهمات الصعبة، وقادةٍ يخططون، فينفذون، ثم يبدعون، ويخرج من بين أيديهم صرح شامخ للعزة والإباء.
فخبِّرهم يا طوفان كم سال عَرَقٌ من الجبين الطاهرة، وكم تورّمت أيدٍ يحبّها الله ورسوله وهي تنبش الأرض وتخترق الصّخور، وكم سالت دموع للمخلصين وهم يرسمون الحلم الجميل في مخيلتهم؛ فامتزجت دموعهم بتراب النفق، فكانت نوراً وبركة عليه.
خبِّرهم يا طوفان كم تعبت أقدام، وأُرهقت أجساد، وأُزهقت أرواح بين تلك الثنايا وسط الرّكام والغبار.
خبِّرهم يا طوفان كم من الأسرار والتفاصيل التي طواها النسيان؛ لكن الله لم ينساها، وما صُنع على عين الله وبحبه لا يسقط أبداً.
سينمو ويزهر وتقطفه غزة الأبيةُ ثمارَ عز وانتصار وتمكين، بقدر إخلاص تلك القلوب التي بذلت وجدّت واجتهدت؛ لنصرة الأمة، ولو بحمل حفنة من تراب، فستبقى شاهدة لها عند ربها، وموطئ قدم لها في طريق النصرة والولاء؛ فكيف بأطنان من التراب والحجارة على مرّ السنين؟
خبرهم يا طوفان أن الأنفاق نتاج نفوس تربّت على التوحيد؛ فصنع منهم رجالاً لا يعرفون يأساً ولا انهزامية، يفكرون ويخططون ويتلمسون المخرج مهما سُدّت في وجوههم الأبواب، مدركين ألا مكان للمستحيل في حضيرة الإيمان.
خبِّرهم يا طوفان أن رجال الأنفاق تخرجوا من مدرسة محمد -صلى الله عليه وسلم-، كما تخرج منها أبطال الخندق والأحزاب. فالأمل والطموح يحذو أرواحهم في أحلك اللحظات، وأشدها وطأة، ونفوسهم المحلقة تتطلع لنصر مؤزر لهذه الأمة؛ يهان به عدوّها مهما بلغت قوته، واشتدت شوكته.
فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي عزّ الأزمة التي اعتصرت القلوب في غزوة الخندق، يضرب الصخر ويكسر ثلثه ويقول: “الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة”. ثم يكسر الثلث الثاني ويقول: “الله أكبر أُعْطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض”. ثم يضرب ضربة ثالثة ويقول: “الله أكبر أُعطيت مفاتيح اليمن، إني لأبصر أبواب صنعاء، من مكاني هذا”.
خبرهم يا طوفان أن ذلك هو دين التوحيد، وتلك دروس الأمل بغد مشرق مهما تأزم الظرف، واشتد ظلام الليل، وأحاطت المخاطر والمدلهِّمَّات.
فأبشري يا أمّة محمد، وذكِّرهم يا طوفان.
نصر من الله وافانا به الخبـــــــــــــــــــــــــــــــــــر
فلتهنك العزة القعساء والظفــــــــــــــــــــر
فتح قريب وملك قد خصصت بـــــــــه
جرى به قبل تكوين الورى القــــــــــــــدر
هذا الرجاء الذي كنا نؤملــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه
قد وفيت لك في تيسيره النــــــــــــــــــــــــــزر