يحدث كثيراً أن تجد صاحب المبادئ والقيم والأخلاق هو المظلوم الذي يتبارى الجميع في ظلمه في جل المنازعات؛ بل لعل الأمر مضطرد اطراد السنن الكونية. وهذا من كدر الدنيا وابتلاءاتها التي تحتاج كثير صبر وجلد وحكمة في التعامل.
فالعاقل الشهم النبيل، محاط بجدران قيمه وأخلاقه ولا يستطيع الانفكاك عنها في معاملاته، بخلاف منعدم المروءة والأخلاق؛ فهواه الذي يسيره لا سقف لها ولا أطر؛ فلا يتورع أن يسلك أي مسلك لنيل ما أراد مهما كان دنيئاً، فتجده متبجح -بانعدام مروءته- فلا رادع له ولا يوجد عنده ما تستطيع أن تحاكمه إليه.
وحينما يتطلب الأمر وجود وسطاء للفصل بينهما، فيجدون عند شخص معايير واضحة يتحاكم إليها، ولا يجدون إلا الهوى عند الآخر، فدائماً ما يحاكمون صاحب المبادئ إلى مبادئه حتى وإن كانت لا تمت لمحل النزاع أصلاً بصِلة، ويتركون صاحب الهوى يعيث بهواه فساداً في حقوق الناس وقلوبهم ونفوسهم.
لا أقول ذلك دعوة للاستسلام لظلم أو لقهر، وإنما من باب السلوى، فالأمر إذا علمت عمومه هانت عليك قسوته، وقد رأيت الكثير من ذوي الفضائل يشقون بها، فلتعلم أن من ابتلاءات الدنيا على التقي أن يؤخذ بسيف الحياء والفضيلة؛ فالفضيلة التي هي من قبيل دينه ومروءته وفضله تسلط على رقبته هو ليسلب منه حقه. فإن حسبت ما تلاقي من حزن وكدر بسبب ذلك من الابتلاء الذي تؤجر بالصبر عليه، فقد هداك ربك بإذنه لخير عظيم.
واعلم أن حراس الفضيلة في زماننا قليل، والناطق فيه هو التافه، والمُستَمَع إليهم هم الرويبضة، وقلما تجد من هو أهل للكلام والفصل يصل صوته أو يُستمَع إليه؛ فالفصل بين الناس قواعده الآن هي ذات القواعد التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم، القوي يُترك وإن كان ظالماً، والضعيف يُسلَب منه الحق ولو كان مظلوماً.
فبقائك في سجن القيم والأخلاق سجيناً طالباً الأجر من ربك، خاصة إذا كان ظالمك من ذوي الحقوق عليك؛ خير لك من الخروج لمستنقع من الأوحال والقاذورات، فهناك معارك لا يمكن أن تفوز بها إلا بالدفع من رصيد مبادئك وأخلاقك.
لا تترك حقك، ولا ترضى بظلم ولا تستسلم لقهر؛ لكن إياك أن تدفع من مبادئك ودينك ثمن النصر خاصة لو كانت المعارك دنيوية. ولا تحزن على خسارة منيت بها في مقابل الحفاظ على دينك وأخلاقك ومروءتك.