وما هذه الأيام إلا مراحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلُ
تمرُ وتطوى والمسافر راحــــــــــــــــــــــــــلُ
نسيرُ إلى الاجال في كُل لحظـــــــــــــــــــــةٍ
وايامُنا تطوى وهُن مراحـــــــــــــــــــــــــــــــــلُ
ولم آرى مثل الموت حقاً كأنـــــــــــــــهُ
اذا ما تخطته الامانيُ باطـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلُ
وما أقبح التفريطُ في زمان الصبـــــــــا
فكيف بهِ والشيبُ للراسِ شامــــلُ
ترحل من الدنيا بزادِ من التقـــــــــــــــــــى
فعمركُ ايام وهنُ قلائــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلُ
أَتذكر بالأمس القريب حين ألبست قريب على قلبك تلك القطعة البيضاء وذهب الى حياةٍ آخرى، هل نسيته؟ أم هل نسيت تلك العبرات التي كادت أن تقطع حبالك الصوتية من شدة حدتها؟ أتذكرهُ عندما كان بين أهله وخلانه؟ أتذكر جلساته، وضحكاته، وخروجكم سوياً؟ أتذكر عندما وافته المنية ورحت أنت بيدك تدفنه، وتحث التراب عليه من كل جانب؟
أين هو اليوم؟ إنه في ظلمة اللحد؛ فلا الأهل بقوا، ولا هناء المال دام؛ بل وحتى الاسم سُلب منه. وهذا هو حالك في يوم من الأيام.
لنرجع بالذاكرة قليلاً. أتذكر استقامتك بعد موت حبيب لك؟ حينها التزمت بصلاتك، أذكارك، صدقتك، خلوتك مع الله، دموعك المتساقطة على مُصلاك، دعاؤك له. أتذكر كم سكنت الراحة صدرك وأمتلى قلبك إيماناً؟ فما بالك الآن يا بني نسيت كل ذاك ولم يعد لك اسم بين الجماعة؟ الأذكار ضيعتها، الملائكة لم تعد تراك في السحر بخلوتك ومناجاتك تلك؛ حتى الدعاء بخلت به!
قل لي بربك، أوجدت ونيس أونس لقلبك من الله حتى هكذا رحت تلهو وكأنك خالدٌ في دارك، والوقت أمامك طويل لقدوم الموت إليك؟ نعم، هذا نحن نتعامل دوماً مع حقيقة أن الموت حق وقادم وغير مؤقت بزمان محدد تعاملاً سطحيّاً للغاية؛ كأن الموت شيء لا يمت لنا بصلة، كأنما هو قدرٌ لا يقع إلا على رؤوس الآخرين، كأنما خلقنا لنشيع الموتى إلى قبورهم ثم نعود أدراجنا لنستكمل حياتنا الأبدية، غفلة مستحكمة تتسع شيئاً فشيئاً، وتهالكٌ على سفرة طعام توشك أن ترفع، فقل لي بربكَ متى الصحوة!
أما زلت إلى الآن وبعد توديع الأحبة والصحب واحداً تلو الآخر؛ أما زلت منغمساً بذنوب الخلوات، وعدت من جديد إلى الاغاني المهلكات، ومشاهدة الصور الفاضحات؟ ما هذا الران الذي أعمى قلبك؟
لا تغفل عن الرحيل والعدة له، تذكر أننا هنا ضيوف ولا بد للضيف أن يرتحل ويعود إلى موطنه الأول،
فها هو الموت كل يومٍ يصافح حبيباً بقبضة حديدية؛ فتذكر أن للموت بقية، وأننا لسنا سوى عابرين في حياة عابرة، ونسير نحو الفناء بدأب عجيب كل لحظة بخطوات لا تنقطع. فعد إلى اللّه ولو أذنبت ألف مرة؛ لعل القبضة لا تكون إلا والإله عنك راضٍ.
وَكُنتَ مَعَ الصِبا أَهدى سَبيــــــلاً
فَما لَكَ بَعدَ شَيبِكَ قَد نُكِستا