يجول في خاطري كثيراً أنّه رغم كِثرة المبدعين، وأصحاب الخيال، والنسق الفريد كالرسامين ومُصمّمي الأزياء؛ إلا أن اعمالهم إن دققت بها وأنعمت النظر ستدرك أنها تدور حول فلك واحد، ثم ما تلبث أن تعيد نفسها.
على سبيل المثال لا الحصر، انظر لما كان رائجاً من الثياب منذ عقود مضت، ثم طُوِي، وبعد عدة عقود استنجدوا به مع استبدال الأسماء بأخرى مُعاصرة؛ لإضفاء بريق سحريّ، وكي لا يُقال لم يأتوا بنوع جديد، وكأن الناس لا ينتبهون!
نسيت، نعم غالبهم لا ينتبهون؛ لأنهم يسيرون مغمضي الأعين نحو الموضة التي تجذبهم كما يجذب المغناطيس قطعة المعدن. ولست بصدد مناقشة تأثير الماركات والموضة، ربما إن شاء الله أناقشه في مقال آخر.
ولكَ في العلوم التجريبية مثال؛ فالمخترع الفلاني لم يكتشف قانونه إلا بعد أن أمضى أعواماً في علوم من قبله وقوانينهم، بنى على صحتها قوانين جديدة واستبعد كل تجاربهم الخاطئة، او استفاد منها بطريقة ما.
وفي عالم الأدب؛ لن تجد أديباً أريباً لبيباً إلا واستند على كتب الأولين وبلاغتهم، والأولين استندوا على شعراء الجاهلية وهلم جرا.
لكن إن تدبّرت كلام الله؛ فإنه آية في ذاته والنبع الأصلي لكل العلوم في شتى المجالات؛ علم الأجنة، الفضاء، البلاغة، الإعراب، الإعجاز العلمي… يتعب القلم وهو يدوّن بقية العلوم.
إن راقبت الجمادات والكائنات الحيّة؛ ستنبهر. انظُر للبشر منذ بدء الخليقة إلى الآن؛ هل سبق وأن قُلنا: أنظر إلى ذاك الشاب، يشبه العصور الأولى، أو انظري لتلك الفتاة، سبق ورأيت مثلها عندما كنت عند قريبتي؟
تجد في العائلة ستة أطفال ربما أكثر أو أقل، لا يشبه أي واحد الآخر إلا شبهاً يوحي أنهم ينتمون للعائلة؛ كلون البشرة، حجم الأنف، اتساع العين …إلخ؛ لكن لن تجد صورة طبق الأصل! حتى التوائم الحقيقية؛ ستجد من يعرفهم ويميز بينهم باختلاف في الملامح ولو بسيط.
شيفرتك الوراثيّة، تخصّك وحدك أنت دوناً عن الجميع، مثل هويّة صغيرة تحملها داخلك، تحمل كل ما يخصك، وتُجيد تعريفك.
بصمة أصابعك، تميزك عن ملايين البشر على الكرة الأرضية، لا تتشابه بصمتك حتى مع توأمك!
على فرض أعطينا شخص حاذِق ورقة وقلم، وقلنا له: ارسم لنا أنماط عديدة من البصمات غير المتشابهة من خيالك، أو استند على أي العلوم شئت؛ لكن لا نريد تشابه مطلقاً. ربما يرسم مئة مئتان، لنقُل ألف؛ لكن سينضب مخزون أفكاره ولن يستطيع إبداع المليارات.
وكذلك بصمة صوتك، تميّزك عن غيرك (الحدة، اللون الارتفاع،..إلخ)، ولن تجد بصمتان صوتيّان متطابقتان. محال! ولهذا السبب؛ تُستَخدم البصمات الصوتية وبصمات الأصابع، وبصمة العيون في الأمن الجنائي.
تبهرني قدرة الله عز وجل في خلقه كل شيء من لا شيء، وعظمة الله في إبداع أشكال وهيئات جديدة على مدى العصور والأزمان ومنذ بدء الخليقة. فهو سبحانه خلق آدم عليه السلام من تراب، وخلق حواء من ضلع آدم عليه السلام، وخلق عيسى عليه السلام من غير أب؛ ألا يستحق كل هذا وقفة تأمليّة؟
إلى الآن تجد معلومات طبيّة تُصحَّح، ويُنسف ما قبلها. وظائف جديدة لبعض أعضاء الجسم يتم اكتشافها. إلى الآن كل القوانين في الطب النفسي لا تستطيع أن تسبر أغوار النفس البشرية بشكل كُلي، وتضع قاعدة أساسية للتعامل مع النفس البشرية؛ فلن تجد مثلاً كلاماً صادراً عن إحدى منظمات الصحة: لقد اعتمدنا هذا المرجع الأساسي الذي يحوي كل ما يخص النفس البشرية.
مهما تطور العلم، الطب؛ يقف عاجزاً أمام إتقان صُنع الله، وكل محاولة لمضاهاة صنع الله تذهب هباء منثوراً. إنما هي من مخلوق ضعيف، محاولة ضعيفة، مليئة بالأخطاء والعجز والنقص والهزال.
{ليس كمثله شيء}
{وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}
{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}
أسألُ الله ألا ينطفئَ حس الدهشة داخلك، وأن تقودك آيات الله في الآفاق؛ لتثبيت ركائز الإيمان في قلبك.