ليس في الوجود كفر وجريمة أعظم من سب الله تعالى، وقد دلت النصوص الشرعية على أن ساب الله سبحانه كافر، سواء صاحب هذا السبب اعتقاد باطل -كإنكار الربوبية-، أم لم يصاحبه؛ إذ السب بمجرده كفر، ومن الأدلة على ذلك: قوله سبحانه:
{ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون* لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} {التوبة:65-66}.
وجه الدلالة من الآية الكريمة أن الله سبحانه وتعالى قد أخبر بكفر من استهزأ بالله وآياته ورسوله مازحا، أو لاعبا، اعتقد اعتقادا باطلا، أو لم يعتقد, وبين أنه لا يقبل منهم في ذلك عذرهم، بقوله سبحانه: لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم.
ولا شك أن الساب أشد إثما، وأعظم ذنبا من المستهزئ، فتكون الآية قد دلت على كفر الساب بطريق الأولى.
ويقول ابن تيمية في كتابه الصارم المسلول: “وهذا نص في أن الاستهزاء بالله، وبآياته، وبرسوله، كفر، فالسب المقصود بطريق الأولى”.
من هنا أجمع أهل العلم على كفر من سب الله سبحانه، وعدم عذره؛ إذ لا شهوة له في ذلك، ولا شبهة، إلا خبث النفس، والتمرد على الله سبحانه،
يقول ابن حزم: “وأما سب الله تعالى, فما على الأرض مسلم يخالف أنه كفر مجرد”.
فلا ريب في أن سب الله تعالى، ولعنه، أو سب دين الله تعالى، ولعنه: كفر مجرد ومثل هذا ليس محلا للشك، أو التردد والعياذ بالله.ـ فكيف يجتمع الإيمان بالله، مع سبه سبحانه، أو لعنه؟!
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى -: “فلا شبهة تدعوه إلى هذا السب، ولا شهوة له في ذلك, بل هو مجرد سخرية، واستهزاء، واستهانة، وتمرد على رب العالمين, تنبعث عن نفس شيطانية، ممتلئة من الغضب, أو من سفيه لا وقار لله عنده”.
وجاء في حاشية كتاب التوحيد لابن قاسم شارحا للكلام صاحب المتن: فقد كفر ـ يعني بها الهازل بشيء فيه ذكر الله -؛ لاستخفافه بالربوبية، والرسالة، وذلك مناف للتوحيد، وكفر بالإجماع، ولو لم يقصد حقيقة الاستهزاء، والهزل. انتهى بتصرف يسير.
وكذلك الحكم في من سب الله تعالى فإنه يكفر ويجب قتله وفي سقوط القتل عنه بالتوبة خلاف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول: “من سب الله تعالى فإن كان مسلما وجب قتله بالإجماع لأنه بذلك كافر مرتد وأسوأ من الكافر فإن الكافر يعظم الرب ويعتقد أن ما هو عليه من الدين الباطل ليس باستهزاء بالله ولا مسبة له.
ثم اختلف أصحابنا وغيرهم في قبول توبته بمعنى انه هل يستتاب كالمرتد ويسقط عنه القتل إذا اظهر التوبة من ذلك بعد رفعه إلى السلطان وثبوت الحد عليه على قولين: أحدهما أنه بمنزلة ساب الرسول فيه الروايتان كالروايتين في ساب الرسول، والثاني أنه يستتاب وتقبل توبته بمنزلة المرتد المحض.
ومن فرق بين سب الله والرسول قال سب الله تعالى كفر محض وهو حق لله وتوبة من لم يصدر منه إلا مجرد الكفر الأصلي أو الطارئ مقبولة مسقطة للقتل بالإجماع .
فإن من سب الله تعالى مختارا مدركا لما يقول، فقد كفر بالله وخرج من ملة الإسلام، سواء كان الساب في حالة غضب، أو كان في حالة رضا، وسواء كان جادا، أو كان هازلا،
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: ومن سب الله تعالى كفر ـ سواء كان مازحا، أو جادا ـ وكذلك من استهزأ بالله تعالى، أو بآياته، أو برسله، أو كتبه، قال تعالى:
{ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون}.
ولكن التوبة مقبولة إن صحت وصدقت، فقد قال تعالى:
{قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} {الزمر: 53}.
نهي الساب عن السب:
هذا واجب شرعي يؤجر عليه المسلم، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفاية أوجبه الله على هذه الأمة حسب استطاعة الإنسان،
ففي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان».
ومن أصابه أذى بسبب النهي عن المنكر فعليه أن يصبر عملا بوصية لقمان لابنه: {يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور}.{لقمان: 17-18}.
وإذا مات بسبب الأذى فنرجو أن تكون خاتمته حسنة، لما في الحديث عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله، قالوا: وكيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل موته» رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح ـ ورواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما ـ وصححه الألباني.
بل إن من نهى السلطان عن المنكر فقتله يعتبر شهيدا، لقوله صلى الله عليه وسلم: «سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله». رواه الحاكم وصححه.