كثيرًا ما تجد صورة المسلم المستقيم، مرتبطةً في أذهان الناس؛ بالضعف والمسامحة والتجاوز. ومما لا شكّ فيه أن اتسامه بالمسامحة والعفو مطلوبٌ؛ إذ كيف تكون مستقيمًا على شرع ربك ولا يكون لك نصيبٌ في التّجاوز والصفح؟ على ألّا يتحوّل هذا لضعفٍ وتقبّلٍ للأذى؛ فهذا مما هو بالتأكيد مذمومٌ ويعطي الناس شرعيةً في إيذاء المستقيم، والتطاول على حاملي العلم الشرعي والملتزمين بشرع الله. وليس المستقيم وحده من خوطِبَ بحسن الخلق!
يؤذونك بكلامهم، يحتقرون سمتك وهيأتك، يستخفّون بأفكارك، ويرمون عليك شرر كلامهم وأضغان قلوبهم؛ ثم أنت تصمت لأنّ دأب المسلم العفو! هذا ليس بعفو، هذا قبولٌ للذلّ والاحتقار من سيئي الأخلاق المتطاولين على شرع الله.
وإن رددت عليهم وألزمتهم حدهم، بدؤوا ينعقون: أهكذا تعلّمتم؟ أيّ التزام هذا؟ صدق من قال أنّ النقاب واللحية لا يعني الشرف؟ ووووو. أو تُعاتَب ممن هم حولك: كبر عقلك، اتركهم وكلامهم، أليس من سمة المستقيم الصفح؟ تنازل عن حقك واتركهم.
لماذا صارت صورة المستقيم مرتبطةٌ في الأذهان بهذا الشكل؟ لماذا لا يرنون إلى تطبيق حسن الخلق إلا عليه؟ ألا تدرون أنّكم مخاطبين بذات الخطاب يا سادة الشر؟ لمّا كنتم تتظارفون وتلفظون فراغ عقولكم ألم تكونوا سيئي خلق؟ ولماذا نشدّ على يد المستقيم ليعفو، ولا نشدّ على يد المتطاول لينتهي؟ لماذا نأمر المظلوم بالصفح ولا نأمر الظالم بالكفّ عن ظلمه؟
وأنتَ يا مستقيم، يا من تجاهد نفسك لالتزام شرع ربك، لا تأخذنّك رغبتك بأن تكون حسن خلق وذا أدبٍ إلى أن تترك رذيلي النفوس يتمادون عليك وعلى استقامتك. المسلم أبيٌّ عزيز، فلا تقبل الإهانة، ولا تُتِح لسيئي الأخلاق التطاول عليك. حسن الخلق لا يعني الضعف والعجز؛ بل لتأخذك الحمية على دينك ونفسك ولتوقف أصحاب الشر عند نقاطهم.
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [التوبة: 73].
خفضك للجناح يا أبيّ؛ للمسلمين المعظّمين لدين الله وسنة نبيه، للكافين عن أذى المسلمين؛ أما خفضك لجناحك للمنافقين وسليطي اللسان فليس إلا ضعفًا وهوانًا.
أعزّ نفسك،
﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [المنافقون: 8].