إن التفكر والتأمل في أطوار النفس ومراحل خلقتها، يكاد يكون واجبا، بل من اوجب الواجبات، من شدة الجهل والاستهزاء بمعرفة قدر وعظمة الخالق سبحانه، الذي تُقر بوحدانيته كل المخلوقات، وتعترف بعظمته كل الكائنات، و كل مخلوق في نفسه آيات بينات على عظمة الخالق، وعظمة صنعه وابداعه، فلو رجع كل واحد لنفسه ونظر فيها، وتأملها وأبصرها، لعرف قدر خالقها،
{وفي أنفسكم أفلا تبصرون}.
وقد قال نوح لقومه:
{ما لكم لا ترجون لله وقارا، وقد خلقكم أطوارا}.
ارجعهم نوح إلى تأمل انفسهم ليعرفوا قدر خالقها، فالنظر في النفس كافٍ في تعظيم الله ومعرفة قدره، فكيف بالنظر في سائر مخلوقات الله في كونه أرضاً وسماء، وإنما يجهل الناس عظمة الله لأنهم ينظرون لآياته بلا بصيرة ويمرون عليها بعجلة دون تفكر واستبصار،
{وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون}.
فلا تفيد الآيات، ولا تنفع المعجزات عقولاً معرضة، وقلوباً غافلة، ولا يعظم الله إلا من تفكر بآياته، وعرف صفاته، ولهذا يضعف قدر الله في القلوب الغافلة المعرضة، فيعصى ويكفر، وربما يسب ويستهزأ به سبحانه وتعالى!!
ويعصى العظيم بمقدار الجهل بعظمته، ويكفر ويجحد حقه بمقدار ما نقص من قدره ومنزلته في القلوب، ويطاع الضعيف بمقدار الجهل بضعفه.
وقد اشتهر سب الله في البلدان العربية والإسلامية عند بعض العامة الجاهلين بالله وعظمته، المعطلين لأوامره ونواهيه، وقد كثر سب الله ووصفه ورميه (تبارك وتعالى) بألفاظ قذرة يعظم على المؤمن ذكرها أو سماعها، وللأسف قد يكون المتلفظ بالكفر من المصلين! أو حتى قد حضر دورات شرعية ومواعظ وهو عالم بخطورة هذا الفعل الشنيع!
وتفشت هذه المصيبة حتى أصبحت عادة بين العوام، واندرجت تحت ادعاء (الغضب، والتعبير عن الانفعال القوي) فكلما ازداد غضبا، ازدادت ألفاظه قذارة وشناعة، نعوذ بالله من ذلك.
وما إن نزل بلاء بأحدهم، أو تشاجر مع زوجته أو أحد أقاربه، يبدأ برمي الألفاظ القذرة، والانتقاص من جلالة الله سبحانه، وقذفه بأتفه وأحقر الكلمات والأوصاف التي يستحي المرء من قذف صديقه بها، فكيف بالخلاق العظيم، الذي خضع لملكوته كل شيء، تعالى ربي عما يصفون.
ولا يختلف أهل الإسلام بأن (سب الله)كفر!
سواء أكان المتلفظ بالكفر،جاداً، أو مستهزأ ومازحاً، أو لاعباً لاهيا، أوغافلا وجاهلا، لا فرق بين مقاصد الناس في ذلك، لان العبرة بالظاهر.
ويقتل الساب له سبحانه، وإنما يختلفون في قبول توبته، وأنها تشفع له من القتل، أو لا، وسب الله كفر فوق كل كفر، وهو أعظم ذنباً، من عبادة الأصنام، لأن عباد الأصنام إنما عظموا الحجارة وجعلوها مساوية لله، ولم ينزلوا الله لقدر الحجارة، فتعظيمهم للحجر من تعظيم الله بزعمهم!
وقد قيل أن نصب الأصنام والطواف حولها والسجود لها، أهون عند الله من اشتهار سبه والاستخفاف من عظمته وقدره، في كل مجلس ومدينة وشارع، لأن المشرك يعظم الله ويعظم معه غيره، ولكن الساب يحقره، تنزه ربي وتعالى عن ذلك.
وقيل أنه أعظم من استحلال الزنى واللواط، ولما ذكر الله كفر النصارى وسبهم لله بوصفهم الولد له، ذكر ردة فعل السماوات والأرض والجبال غيرة على خالقهم فقال:
{تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا}.
أي تكاد السماوات يتشققن طولاً، وتنشق الأرض اجلالاً لله وتعظيما له، وتكاد تهدَّم الجبال، ويتكسر بعضها فوق بعض عند سماعهم لهذا القول، هذا حال المخلوقات رغم عظمتها وشموخها، فأي قلب يحمل هذا الساب لدينه و ربه، أي قذارة وشناعة يحملها في جوفه.
بل ماذا نحن فاعلين، كيف حالنا عند سماع هذه الألفاظ والاستهزاء الفظيع برب العزة، أين غيرتنا على ديننا، بل أين تعظيم الله في قلوبنا، ما الذي أسقط قلوبنا خوفا من ردع هؤلاء، لا خير فينا والله إن لم ننهض ونعمل على تعظيم الله في الظاهر والباطن،
بل إن المشركون لا يجرؤون على سب آلهتم وأصنامهم، ولو لعباً!!لأنهم يعظمونها أشد تعظيم، بل ويسبون من يسبها، ولهذا قال تعالى:
{ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم}.
فهل المشركون أغير منا على آلهتهم الذين يزعمون!
فماذا نحن صانعون، وقد انتشرت هذه البلايا في كل بقعة من أرض الإسلام، وخاصة في أرض الملاحم، وأرض الشام عامة، والبلدان الإسلامية التي استعرت فيها الحروب،
فمع كثرة البلاء، تفشت هذه الألفاظ جهلاً وسخطا على أقدار الله، بل واستصعاب البلاء الذي حل بالبلد، وحمل المصائب على غير رسالتها التي أرادها الله، فالله يبتلي عباده بالخير والشر، ويتخذ منهم شهداء، وليبلي المؤمنين بلاء حسنا، والصابرين أعد الله لهم مالا عين رأت، ولا خطر على قلب أحد،
(وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَىْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلْأَمْوَٰلِ وَٱلْأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِ ۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ)
وقال تعالى (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
فكيف نطلب النصر العاجل من الله، وفينا من يسبه ويدعي تعظيمه ومحبته، إنما سب الله ينافي الإيمان ظاهرا وباطنا، بل ينافي محبة الله والتصديق به والإيمان بوجوده وحقه بالعبادة، فمثله كمثل الذي يدعي حب والديه وهو يسبهما ويستهزئ بهما سرا وعلنا، فهو كذاب أشر.
فهل سنبقى مكتوفين الأيدي كما نحن الآن!!
أم أننا سنكتفي بالاستغفار والاستنكار بقلوبنا، وأفواهنا ملجمة!
حقاً إن الأمر يحتاج نهضة جماعية، بل مظاهرة مليونية، بل غضباً عارماً وأكثر، لوقف هذه الجرائم بحق ديننا وخالقنا، وإلا فوالله لا خير فينا…
وانتظروا العذاب الذي لا يفرق بين الصالح والطالح، لأنهم ماقدروا الله حق قدره، ولأننا لم نعظمه حق تعظيم، ولم نقدره حق قدره، ولم ننصره حق نصره!!
وأخيرا أقول لكل من يقدر على الدعوة، ومن هو اهلا لها، ولكل مسلم غيور يحمل هم الدين والأمة، فلتغضب غضب محب، وغضب اجلال وتعظيم لله ولدينه وشرعه، واكثر من ترهيب من يتلفظ بألفاظ كفرية، بل يجب على كل من وضعه الله في مكان هو قادر على ردع هؤلاء، ولو بشيء من العقاب لينشئ تعظيم الله في القلوب، فيزداد العقاب شيئًا فشيئا، حتى نقضي على هذا الوباء الذي حل بالمجتمع.
فاغضب لله، فإن الله لا يرضى بعباد تهين وتستكين..