من أعظم وسائل ومثبتات التربية، أن تذكر لطفلك آيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة تثري بها توجيهاتك له، تلك لها مفعول لا يمكن أن تجده في غيرها أبداً، ولها أثر قوي لا يزول.
لا تظن أنك حين تطرق مسامع طفلك بتلك الآيات والأحاديث، أنك تصعّب عليه الفهم وتعقد له الأمور؛ بل العكس، الطفل يأنس جداً حين تقول قال الله وقال رسوله ويرهف السمع.
قد تقول يمكنني شرح الآية أو الحديث بصورة تناسب سنه وفهمه بدلاً من أن أتلو عليه كلاماً لا يفهمه؛ لكن هذا لا يغني عن ذاك. اتل عليه كلام ربه عز وجل وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم اشرح بشكل بسيط ميسر معنى الآيات والأحاديث التي سردتها، وأخرج منها العِبر والحِكَم، واربطها بالموضوع الذي تتحدثان فيه.
أذكر أني ذات يوم أتاني صغيري متذمراً من الذهاب إلى تحفيظ القرآن، وبدأ بالتأفف والتمرد، وأصر أنه لن يذهب مهما حدث، أخذته بحديثي بعيداً بهدوء شديد، بعيداً عن موطن النزاع، وبدأت أتلو عليه حديث سبعة يظلهم الله، احتار صغيري، فما علاقة ذاك الحديث بنقاشنا الآن! حلقنا بعيداً بذكر يوم القيامة ودنو الشمس من الرؤوس وما يصيب الناس من العذاب والعناء جراء ذلك، ثم عدنا سريعاً مع “شاب نشأ في طاعة الله”، وكيف سيقيه الله عز وجل تلك الشمس وذاك العذاب، بنشأته في طاعة الله، وأننا الآن نحفظ ونتحمل عناء الذهاب والحفظ والاقتطاع من وقت اللعب والراحة، لأجل ذلك اليوم، ولأجل أن نقي أنفسنا عذابات شتى بما نقدمه اليوم بإذن ربنا جل وعلا.
كان رد فعله حينها إيجابي تماماً ولله وحده الحمد والفضل؛ فقد جمع أشياءه في صمت وتوجه تلقاء حلقته. لكن شيئاً جديداً حدث ولم أكن أدر به، عرفته اليوم صدفة! كنفس المشهد لصغيري الذي كان عمره ست سنوات حينها، وجدت طفلتي ذات الخمس سنوات تتأفف وتتذمر لذات السبب، وقبل أن أبدأ في جلسة وعظية، وجدت صغيري الذي أصبح ثمان سنوات الآن يبادر بالحديث، قائلاً: (اذهبي لدرس القرآن حتى تكوني في ظل عرش الرحمن يوم القيامة، أتدرين تلك الشمس المحرقة ستكون فوق الرؤوس مباشرة، ولن يحتمي منها إلا من يجعله الله عز وجل في ظل عرشه).
تفاجأت بالحديث، فقد كنت ألحظ أنه منذ ذلك الحديث بيننا مداوم على حلقته، لا يكاد يتخلف؛ لكني لم أتخيل أبداً أن الأمر انطبع في ذهنه بهذه الصورة بفضل الله عز وجل وحده.
قلت له: أما زلت تذكر؟
قال: نعم، سبعة سيكونون في ظل عرش الرحمن يوم القيامة.
استغرب إخوته وقالوا سبعة فقط؟ بذات الاستعراب منه يومها، فلمعت عينيه لمعة المعرفة؛ فبدأ بالشرح وسرد ما كنت قد حدثته به بتفصيله.
أيقنت أن أحد أهم أسباب هذا الثبات منه، أني سردت عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم. فقد ناقشنا هذا الأمر قبلها مرات وتحدثنا عن بركة القرآن وفضله وشفاعته؛ لكن كان حديثاً عاماً؛ أما ما ثبت في جنانه، فكان سماع “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”. عدت بالذاكرة لمواقف كثيرة، فوجدت أن أغلب النصائح التي انتفع بها صغاري كانت تلك التي تحوى بعضاً من الوحي قرآناً وسنة.
إن من أهم الأمور التي تَغرِس في نفس الأطفال مركزية الوحي، هي تكرار الاستشهاد به نصاً، وتعظيمه في قلوبهم بعد ذكره بأن هذا هو منهجنا الذي لا يمكن أن نحيد عنه تحت أي ظرف من الظروف، والذي نستقي منه كل قيمنا ومبادئنا والأخلاق والفضائل، الذي نأتمر بأوامره وننتهي عند نواهيه ونقف عند حدوده، أن هذا منهج الحياة الذي لا يمكننا مجافاته أو البعد عنه.
هكذا تصنع لطفلك إطار يحميه بإذن ربه من الزيغ، وتؤسس له الأسس التي يبني فوقها كل حياته وسعيه في الدنيا. ولا بد من تكرار تلك المعاني بلا كلل ولا ملل. ثم بعد ذلك تستودعه وتستودع دينه الله عز وجل، وتفوض أمرك وأمره لله عز وجل؛ فإن الهداية والصلاح والفلاح أولاً وأخيراً من الله عز وجل، فلا حول ولا قوة لنا إلا به.