شؤم التبرج

|

شؤم التبرج

نرى شابّاتٍ ونساء طيّبات، حسنات التّبعُّل لأزواجهنّ، لباسها طيّب، ريحها طيّب، متجمّلةٌ بالمُباح لها، رعاها الله. نراها تشتكي من أنّ زوجها يُطالبها بمستوى تزيُّنٍ أعلى مما تتزيّن هي به؛ لأنّها لا تعفُّه ولا تعينه على غضّ البصر، يُريد منها إطالة أظفارها وطليها بطلاء الأظافر على الدوام أو تركّب أظافرَ صناعيّة، ويطلب منها أن تبقى واضعةً لمساحيق التجميل على وجهها، ومرتديةً للقصير في بيتها -مع وجود أطفال-، ويطلب أن تصل رموشها لتكون متزيّنة على الدّوام، وتحفّ حاجبيها ليكونا مثاليَّيْن؛ لأنّه يرى هذا في الخارج، ويريد مثله ليعفّ نظره.

إنّ التّزيُّن للزوج، والتّبعُّل له، ومقابلته بأفضل هيئة؛ هو من أوجب واجبات الزّوجة، على ألّا يتجاوز هذا الحدّ المُباح. ومن الفتيات من تعي هذا وتفهمه، ومن الرّجال كذلك؛ وهو أنّ هناك ما يُباح في التّزيُّن وما لا يُباح، وهناك ما يتعارض مع الحاجة للوضوء والصلاة خلال اليوم.

لماذا صار الإعفاف صعبًا؟

لمّا صار خروج النّساء متزايدًا، ولمّا بدأن يتخفَّفنَ من لباسهنّ حتّى وصلنا لِما وصلنا إليه، وحتّى تبرّجت النّساء وتزيَّنت في الحيّز العام، وأبانت جسدها وحسنها، وتجاوزت في ذلك إلى أن وصلت لما يحرم التّزيُّن به حتّى أمام الزّوج؛ ضُرَّ عفاف المجتمع عامّة.

لقد أساءت المتبرَّجةُ لنفسها ولبنات جنسها، كمثل إساءتها للرّجال بتبرُّجها، كمثل إساءتها للعفّة والحصانة.

لقد تغيّرت ملامح التّزيُّن والجمال عند الرّجال؛ لسوء وشناعة ما يرونه من ألوان زينة وبهرج، ولتكالب جموع المتبرّجات عليهم من كلّ مكان؛ حتّى صار يحتاج لمستوى مشابه من التّزيُّن الذي يجده في الشّارع من امرأته؛ ليحصّل العفّة ويحفظ نظره وفرجه. أساءت المتبرّجة له يوم أفسدت عليه عفافه وأفسدت صورة الأنثى في ذهنه؛ إذ صار يبحث عن هيئة المتبرّجة في بيته؛ مهملًا لما يُباح ولا يُباح من التّزيُّن، أو متغاضيًا عن ذلك -لعلمه بحرمانيّته- غير محقّقٍ لإعفاف البصر الذي أنشده من زواجه؛ فيجاهد للصبر وتحصيل العفّة بالمُباح، وفي نفسه ألم وشكوى لا يعلم بهما إلا الله، وكل ذاك ينعكس على سكينة البيت واستقراره من حيث لا يشعر المرء، وتكثر مشاكله.

وأساءَت المتبرّجة للمتقدّمين للزّواج يوم توهّموا أنّ الجمال كما يرونه في الخارج؛ فزهِدوا بإناثٍ تزيُّنهنّ طبيعيّ، وجمالهنّ بسيط؛ لأجل أن يجدوا ما يرونه في الشارع. وبالتالي فقد أساءَت لبسيطات الجمال يوم أوهمت الرّجال أنّ هذا هو الجمال، وهذه هي مقاييسه.

وأساءت المتبرّجة لبنات جنسها؛ لمّا صعّبت عليهم أمر التّزيُّن، ولمّا أفسدت رجالهنّ؛ فرأوا بهنّ تقصيرًا رغم اجتهادهنّ في التّبعُّل والتّزيُّن؛ لكنهنّ لا يصلن لمستوى المتبرّجة من التّزيُّن، ولا يستحللن ما تفعله من كثير زينة محرّمة في أصلها. صرن ملزمات إمّا بالصّبر على تأفُّف رجالهنّ، وتحمل ما يؤثر ذاك على قلوبهنّ، حيث أنّهنّ مفطورات على حبّ سماع المديح والإطراءات، وهذا ما صار غائبًا؛ أو منهنّ من أصبحت تتنازل وتطيع زوجها فيما لا يحلّ لها طاعته به؛ لأجل أن تظلّ في نظره الأنثى تامة الجمال والتزيُّن، ولتلقي عبء الصبر عن المعصية مع حال الزوج المطالب بالتزيُّن المُترَف.

وأساءت لنفسها يوم تبرّجت خارج بيتها، وعادت لبيتها متعبةً من تبرُّجها تريد نزع قناعها الخارجيّ وترتاح منه؛ فتترك زوجها الذي يُنشِد عفافًا لبصره وتجمُّلًا له هو، يُصارع نفسه لأجل ما يراه في خارج بيته وما لا يراه في بيته.

لقد أساء التّبرُّج لمنظومة العفاف بأكملها؛ ولقد جنت المتبرّجة على نفسها وغيرها، وحملت أوزارًا لا ترى أنّها أوزارًا؛ فمعصيتها غير مقتصرة على كونها خرجت متبرّجة؛ بل تعدت ذلك إلى إفسادها لرجال ونساء كُثر، وإفسادها لطمأنينة بيوت كانت منعّمة هادئة تسودها المودة والسكن، ويسودها الرضى والإحسان، وتشويهها لمعايير الجمال والتّزيُّن.

ولا يرى العاقل خلاصًا من هذا؛ إلا بالعودة لما شرعه الله الحكيم الخبير، وما جعل فيه حصانةً وعفّةً للأنفس والفروج والأبصار، وهو التّستُّر والالتزام بالحجاب والقرار في البيوت.

ألا فالْزَمنَ ثغر العفة والتّستُّر؛ حتّى لا نرمي أنفسنا بسهامنا، وحتّى نُعيد لمجتمعنا عفافه وحصانته.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة