“مُخببون” من خلف الشاشات

"مُخببون" من خلف الشاشات

ربما سابقاً كان الرجل يخرج من البيت مطمئناً عليه، وعلى الأفكار والأشخاص الداخلين إليه، فإذا ما عاد ووجد تغييراً قد طرأ بان له السبب بسهولة، وسعى لمنعه خاصةً إذا كان يدعو لفساد البيت وخرابه. فكان يستطيع أن يمنع زوجته من المخببات اللواتي يفسدن عليها حياتها من حيث لا تشعر، ويملأنها حنقاً على زوجها وأطفالها.

أما اليوم؛ فتخبيب النساء على أزواجهن لم يعد محصوراً ببني جنسهن؛ بل تعددت أشكاله، وتنوعت أساليبه، فتغيرت النساء وعمت البلوى البيوت؛ فعُرف بعض مرتكبي هذا الذنب العظيم والجريمة الشنعاء بحق تلك المساكن الآمنة والبيوت الدافئة، ولم يُعرف منهم الكثير.

“المخببون”هُم وهن هناك في بيوتهم، ويعيش الناس معهم حياتهم من خلف الشاشات؛ فسابق بعضهم بعضاً في هذا الميدان أيهم يكون أشد إظهاراً للناس حياته الرغيدة، وزوجته أو زوجها الحنون الرؤؤم، وعيشهم الذي يخلو من الهم والنكد  -وان كان أغلبه مصطنعاً أمام الكاميرات-؛ فكانت حياتهم جنة في أعين المتابعين، وأصبحت حياتهم الطبيعية التي يعيشونها جحيماً، وضيقاً لا يطاق.

لعلك لاحظت الزيادة في حالات الطلاق، ومن منا لم يلحظه على مر السنوات الأخيرة، الذي لو تحرينا السبب في أغلبه لوجدناه نتيجة لتلك المُدخلات السيئة على الناس. لم يعد أغلب النساء والرجال اليوم كما كانوا سابقاً، لم تعد الأسماع تُصغي لحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “لا يفرَك مؤمنٌ مؤمنةً إن سخِطَ منْها خُلقًا رضِيَ منْها آخرَ” وهو يدعو الرجال للصبر على الزوجات حفاظاً على البيوت المسلمة، والزوجات داخلات في هذا الخطاب.

أصبحنا نرى من يسعى لطلاق زوجته لبعض التقصير الممكن تجاهله، أو لقوامها الذي لا يشابه قوام تلك، أو لأن شَعرها ليس بصفة معينة مثل الأخرى، وكأنه لم يراها بما هي عليه قبل زواجه منها!

أصبحنا نرى من تطلب الطلاق من زوجها لعدم سفره بها يجوب بصحبتها البلدان، أو توفيره كمالياتها بصورة باذخة كما لدى فلانة، أو توفيره أموال لعمليات التجميل كما ترى الأزواج يفعلون، أو لكونها تراه معقداً ينغص عليها تطورها ولذاتها.

اليوم لم تعد النساء تصبر على ضيق ذات اليد لزوجها، أو تغيرِ حاله طِبقاً لسنن الحياة وابتلاءاتها التي لا بد منها، أصبحت تنظر له بعين الاحتقار والازدراء فقد امتلأت عيناها بصور المشاهير اللامعة التي تفوقه من جوانب كثيرة.

أضحى اليوم هذا “الميثاق الغليظ” واهناً، قابلاً لأن ينفك ولو لأتفه الأسباب، أو بلا أسباب توجبه حتى، لم يعد لاستمرار البيوت ونجاحها وزناً لدى الكثير من الأزواج اليوم، فحاجة النفس أولى من غيرها وإن كان من كان.

كَثُرت المواقع، وانتشر السفهاء فيها وأصبحوا قدوات، أطلقت الأبصار، وجالت في الفضاء العولمي تتبع بيوت المشاهير وحياتهم المليئة كذباً، وخداعاً للناس؛ فمُحقت البركة التي تزينت بها جنبات البيوت، وزال الرضى الذي كان يسكن في زواياها ويتنسمه أهلها ليل نهار، وحلت النقمة، ومن لا يقدر النعم يُحرمها!

إن كنا اليوم ندعو لحفظ البيوت المسلمة، فلا ينبغي أن نغفل عن دعوتكِ أيتها المسلمة، وأيها المسلم بأن تشيحوا بوجوهكم عن الحياة المواقعية البعيدة كل البعد عن الواقع، والتي تظهر للناس أكمل جوانبها وتخفي النقص الممزوج فيها.

ندعوكم أن تقاطعوهم؛ فتبور تجارتهم القائمة على هتك ستر البيوت، ومشاركة الخصوصيات للعامة سعياً وراء الشهرة المقيتة وإن كان على حساب الدين والشرف.

غضوا أبصاركم عنهم، كونوا واقعيين، فلا يوجد فردوس أرضي كما صوروه لكم، هذه الحياة كبد، ودار اختبار لا جزاء، وهذي البيوت أمانة تسألون عنها وعن إقامتها كما يحب الله ويرضى، فلا يفسدون صفاءها عليكم بكذبهم ونفاقهم، لا توجد حياة كاملة بلا كدر يشوبها، ولا يوجد بشر من دون نقص، وإنما يُكمل البعض بعضاً لتستمر الحياة.

فاقبلوا نقصكم ونقص أزواجكم وأولادكم وما وهبكم الله إياه، وارضوا بما في أيديكم قبل أن تُمحق بركته ويزول؛ فتصبح بيوتكم خاوية على عروشها بعد أن كانت روضة تسر الناظر إليها والداخل فيها، فاكتفِ بما في يديك، ولا تمدن عينيك إليهم، تَسعد وتهنأ.

وكما قال أحد السلف: (إنَّ قليلَ الدنيا يشغلُ عن كثيرِ الآخرةِ؛ وإنَّ كثيرَها يُنسيكَ قليلَها؛ وإنْ كنتَ تطلب من الدنيا ما يَكفيك فأدنى ما فيها يجزيك؛ وإن كانَ لا يُغنيكَ ما يكفيك فليس فيها شيء يغنيك).

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة