إن رأيتَ إنساناً مخفقًا، فاتته فرصةً، ضاعت عليه غنيمةً، فرّط بشيء يمتُ بمستقبله؛ أرجوك تجرّد من عقلانيّتك وتنظيراتك، وامسك لسانك بأن يصدّعه بلماذا لم تفعل كذا، وكان ينبغي كذا، ولا يقتضي كذا…
أرجوك لا تشبّع جرحه ملحًا، لا تقطّع روحه بتأنيباتٍ حِداد، يكفِه ما فيه، لا تزدها عليه، ما بذلك يبرد قلبه الملتهب. هو يحتاجُ منكَ أن تلمسَ يده برفق، تمسحَ بحنانٍ على أنامله التي أوسعها عضًّا، تمنحهُ حُضنًا يتدفّأ به من صقعةِ النّدم، تطلعه على محاسنه حتّى لا يضيّعَ نفسَه، ويموت بعينه، فينظر إليه أنّه لا شيء، ولا ينفع لشيء، ولا يجيد أيّ شيء، لذلك يلزم أن تعمل على هذا الجانب بحنكة، تتذكّر شمائله فتسمعه إيّاها بأبهى منطق وبأرقّ أسلوب وبأجود سياقٍ، وتكرِمه باستحضار كلّ مكرمة فعلها، وحلِّ صغير إنجازاته السابقة بعينيه؛ فنحنُ نريد أن نساعد إنسانًا بداخله بحر من الأمواج يرتطم، ونعزّز الثقة فيه لينهض من جديد، ويستفيد من تجرِبته، فيجعل ألمه الماضي وقودا لانطلاقه، ونعلمه يقينًا سَعة قدرة الله الذي لا يعجزه أن يعوّض خساراته، ولم يفت شيئًا ما دمت حيًّا، وهناك فرص كثيرة لا واحدة كما نظرتنا القاصرة.
ولكي لا نخُنْهُ؛ نعرّفه أنّ المؤمن لا يلدغ من جحر مرّتين، يعني لا يذق حنظل الندم ثانيةً، وإلّا فهو يحبّ لنفسه الدّون والفناء. ونذكّره بأجلّ شيء أنّنا لله وإلى الله، فلا نذهب أنفسنا حسرات على فوات شيء من هذه الدنيا الدنية، وأن صبرًا على أحزاننا فجميعها عند أول غمسة في الجنة تذهب كأن لم تكن.
وأحبُّ موقف خديجة -رضي الله عنها- لمّا طمأنت النبيﷺ في لحظات مُهيبة وآزرته وزمّلته وأعربت له عن خصاله الحميدة: (كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق).
رسالتي لك: كُن بلسمًا لا علقمًا. كُن وردًا لا شوكًا. كُن مواسيًا للموجوع لا كاويًا له، كُن معينًا له لا عليه. لا يلقَ بكلماتك مصرعه، زنها بالرفق، ولا تشنها باللوم والعتاب. قل خيرًا أو اتركه وشأنه.