كثيراً ما تتردد تلك الجملة حينما يأتي أحد ما ليبين حكم الله في مسألة من المسائل؛ فيتهافت عليه المعظم ليقول: (أهذا وقته؟ لماذا تمكنون الأعداء منا؟ ليس هذا هو الوقت المناسب). وكأن الوقت المناسب لقول الحق، هو الوقت الذي يحدده ذاك البشري الضعيف الذي لو اتبع الحق هواه لفسدت السماوات والأرض!
أيا أخي، أليس كلمة “فَرِّق” لمن يتبع هواه؟ فهنا يأتي التفريق؛ ولكننا جميعاً يحكمنا كتاب الله؛ فكيف لنا أن نتفرق وكلنا نقف عند حكمه؟ أليس إسلامنا ولنكون مسلمين بحق هو ألا نجد حرجاً في أنفسنا مما قضى الله ونسلم لأمره؟
ألم تقرأ ولو لمرة قوله تعالى:
{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}؟
فكيف نستطيع أن نقول أن كلمة الحق تفرق بيننا؟ لا والله هذا بهتان وزور، ولا يراد بة إلا كذباً.
كلمة الحق لا تفرق بين من ارتضوا حكم الله؛ ولكنها نعم تفرق بين من اتبع هواه ونبذ حكم الله وراء ظهره؛ ليقول لنا بعد ذلك أنتم تفرقون بيننا وليس هذا مكانه ولا وقته! ونحن نقول له: كفاكم تدليساً على الناس، قولوا الحق كما هو، وبينوه للناس حتى لا يأتي بعد ذلك زمان لنجد الدين قد أصبح مجرد شيء فرعي. وها نحن نرى بأم أعيننا كيف تجد المسلم يتحرج من بعض أحكام الشريعة التي هي في الأساس مصدر عز وفخر له، ولو كان هناك من يبين الحق ويبعث روح العزة في قلبة؛ لما كنا وصلنا إلى هذا الذل والانكسار.
ولنا في رسول الله أسوة حسنة؛ فعندما مات إبراهيم ابن رسول الله فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم؛ فقال النبي: “إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله وإلى الصلاة”.
ذالك الموقف غاية في القوة وغاية في تبيين الحق للناس؛ فحتى مع الموقف الأليم وحزنه على ولده وهو المربي والمعلم؛ فلم يكن له سوى أن يصدع بالحق، بأبي أنت وأمي يا رسول الله.
ولو وجد هذا الموقف الآن؛ لقال بعض الناس: (أهذا وقته)؟ وكأن الدين يتجزأ! ربما يأتي الزمن الذي نرى فيه الناس يقولون ليس وقته الآن لنصلي، أو ليس وقته لإقامة شعائر الإسلام، أو ليس وقته من الأساس لنعبد الله، وربما نحن في هذا الزمان.
فيا مسلمون بحق، يا من ارتضى حكم الله ورسوله؛ ليس بيننا ما يسمى “فرق تسد”؛ تلك المقولة تقال لمن اتخذ إلهه هواه، ونحن اتخذنا كتاب الله ليحكم بيننا فكيف نتفرق؟ نحن تفرقنا فقط لأننا قلنا بآرائنا في كتاب الله ولم نتخذ حكم الله، وقلنا بهوانا فحدثت الفرقة بيننا. وهنا نسألكم: ألم يأن لنا أن نتخذ كتاب الله حكماً بيننا وكفانا تأويلاً لكلام الله بما لم ينزل الله به سلطان، وكفانا أن نمكن أعدائنا من رقابنا؟ ألم يأن بأن نصدع بالحق ولا نخشى فيه إلا الله، وأن نقول حكم الله ولو تطايرت الرقاب، ومزقت الأجساد، واشتدت السياط؟
لم يعد هناك مكاناً لمن خاف بشراً ولم يخف الله، ولمن اتبع هواه ونسي حكم الله؛ فالأمة لا تحتاج الآن إلا لمن اشترى الحياة الدنيا بالآخرة.