لا زال الإنسان يقف مشدوهاً عند عظمة تفاصيل الإسلام، لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وجهنا فيها؛ فأحسن التوجيه.
لا تزال حلاوة حديث النبي صلى الله عليه وسلم تسري في قلبي حين قال: “أحَبُّ الكَلامِ إلى اللهِ أرْبَعٌ: سُبْحانَ اللهِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ، ولا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، واللَّهُ أكْبَرُ، لا يَضُرُّكَ بأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ. ولا تُسَمِّيَنَّ غُلامَكَ يَسارًا، ولا رَباحًا، ولا نَجِيحًا، ولا أفْلَحَ؛ فإنَّكَ تَقُولُ: أثَمَّ هُوَ؟ فلا يَكونُ، فيَقولُ: لا” صحيح مسلم.
ما أثار عجبي هو الاهتمام بأدق تفاصيل المسلم، حتى اختيار الأسماء لم يغفله الشارع الحكيم. ولتفهم مقصود الحديث؛ تخيل أن عندك ولد أسميته نجاح، فجاءك صديقه ذات يوم يسأل عليه وهو ليس موجود الآن في المنزل، فقال لك: نجاح هنا؟ سترد قائلاً: لا.
هنا كثير من الناس يصيبه الطيرة والتشاؤم بمثل هذه الإجابة ومدى شناعة وقعها، وكأن الإنسان ينفي النجاح عن بيته ونفسه؛ لذلك وجهنا النبي صلى الله عليه وسلم عن التسمية بمثل هذه الأسماء، وهو نهي كراهة لا تحريم.
كذلك يكره التسمية بالأسماء السيئة وذات المدلول السيء بالنسبة للناس، كحرب ومرة وحزن وصخر وما يشابههم. ففي صحيح البخاري: (جَلَسْتُ إلى سَعِيدِ بنِ المُسَيِّبِ، فَحدَّثَني: أنَّ جَدَّهُ حَزْنًا قَدِمَ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: ما اسْمُكَ قالَ: اسْمِي حَزْنٌ، قالَ: بَلْ أنْتَ سَهْلٌ قالَ: ما أنَا بمُغَيِّرٍ اسْمًا سَمَّانِيهِ أبِي قالَ ابنُ المُسَيِّبِ: فَما زَالَتْ فِينَا الحُزُونَةُ بَعْدُ).
أيضاً، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الأسماء التي توحي بتزكية النفس، فعن زينب بنت أبي سلمة أنها سميت برة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم، فقالوا بم نسميها؟ قال: سموها زينب” رواه مسلم.
وقد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أسماء بعض زوجاته رضي الله عنهن، كزينب بنت جحش وجويرية بنت الحارث المصطلقية، وكان اسم كل واحدة منهن برة، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم.
تخيلوا ديناً عظيما لم يتركنا في أدق أدق التفاصيل، يراعي استقامة الإنسان ونفسيته!
الحمد لله على نعمة الإسلام، الحمد لله.