بين بيت النبي ﷺ وبيوتنا!

|

بين بيت النبي ﷺ وبيوتنا!

منذ أيام سمعت صراخاً مرعباً، انتفضت واقتربت فَزِعة من النافذة لأستطلع الأمر، وهالني ما وجدت؛ فقد علمت أن “رجلاً” يضرب امرأته ضرباً مبرحاً لا تستطيع فكاكاً منه، مع وصلة من السب والشتم.

دخلت وأنا استرجع وأتأمل هذا الحال، وتذكرت حديث السيدة عائشة حينما ضيعت الأسير الذي جلبه النبي سجيناً في بيتها، وقلت لنفسي: هل يعقل أن ما أخطأت به هذه المرأة أعظم من تضييع أسير يهدد أمن الدولة؟

جاء النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة رضي الله عنها يوماً بأسير، وطلب منها أن تنتبه له كي لا يهرب، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم لأعماله. وفي هذا الوقت، دخل مجموعة نساء عند السيدة عائشة، واسترسلن في الكلام وانشغلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن الأسير؛ بسبب الاندماج في الحديث معهن، حتى استطاع أن يهرب.

بعد وقت دخل النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة عائشة رضي الله عنها وسألها: أين أسيرك؟

السيدة عائشة قصت ما حدث للنبي صلى الله عليه وسلم. غضب النبي صلى الله عليه وسلم منها بشدة، وقال: مالك، قطع الله يدك أو يديك. وخرج النبي صلى الله عليه وسلم من عندها ليبحث عن الأسير، وبالفعل بحث الصحابة رضوان الله عليهم عنه حتى عثروا عليه.

حين انتهى النبي صلى الله عليه وسلم من الأمر رجع عند السيدة عائشة رضي الله عنها، فوجدها متجهمة تقلب في يديها وتنظر إليهما. استغرب النبي صلى الله عليه وسلم من فعلها وقال: ما بك يا عائشة تقلبين في يديك. ردت عليه: أتساءل أيهما تُقطع، أو أيهما تقطع أولاً.

حينها تذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا عليها؛ فاستغفر الله وَقَالَ: “اللهُمَّ إِنِّي بَشَرٌ، أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ، أَوْ مُؤْمِنَةٍ، دَعَوْتُ عَلَيْهِ، فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَطُهُورًا”.

وهذه شهادة عظيمة وتزكية واضحة للسيدة عائشة رضي الله عنها من النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان، ودعاء لها؛ فلم يصبها أي أذى في يديها أبداً حتى ماتت رضي الله عنها.

موقف عجيب، رحمة وإحسان لا حدود لهما في أشد المواقف. غضب ينتهي بإنتهاء الموقف لا يتبعه أذى ولا كثرة لوم ولا خصام ولا غير ذلك. في حين أن السيدة عائشة رضي الله عنها لم تجادل ولم تحاول الانتصار لنفسها، ولم تزد على زوجها المشكلة بأن تفتعل معه مشكلة أخرى، أقرت ضمنياً أنها مخطئة وتقبلت العقاب، لم تعند ولم تحاول قلب الطاولة، ولم تحدّث هذا وذاك بالمشكلة.

وقفت المشكلة بينهما، فلم يتدخل طرف آخر يزيدها اشتعال. كل طرف سامح ورضي من طرفه، ولم يحمل بقلبه على الآخر، فانتهت المشكلة بأبسط ما يكون.

فلا بد للزوج أن يتقي الله عز وجل في زوجته، وحتى إن ألجأه الحال إلى ضربها فليعلم أن الغاية هي إصلاح البيت؛ فلا يعتدي بأكثر ما تحصل به الغاية ولا يفتري عليها، وليعلم أن أي ضربة يضربها لزوجته ظلماً ستقتص بها منه يوم القيامة.

وعلى الزوج والزوجة أن يبذلا جهدهما لحفظ المودة والرحمة بينهما وحفظ سكينة بيتهما.
الزواج عبادة إن نويت به العبادة، فلا تجعله حلبة صراع يقف كل طرف من طرفيه بالمرصاد للآخر، لا يفوت له شاردة ولا واردة، يعطي ردود أفعال تفوق حجم الفعل مرات.

تعبدوا لله عز وجل بالزواج، فذاك باب عظيم للفوز لمن فطن.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة