وهم الكمال

|

تقع كثير من طالبات العلم والنساء الملتزمات بوهم الكمال بالزوج، تظن أنها إذا تزوجت من رجل صالح وملتزم؛ سيقيمان الليل دائماً ويقرآن القرآن معاً، ويقرآن الكتب والمصنفات ليلاً ونهاراً، وحياتهم كلها عبادة، وهذا من الغلو؛ فزوجك له حقوق عليك ولكِ حقوق عليه؛ فلا تتصوري هذه الصورة وتظني أن طالب العلم أو الملتزم ليسَ لديه رغبات أو أنه مثالي لا يخطئ؛ فهنا ستقعين في الفخ، فإذا فعل شيئاً مباحاً مرفهاً عن نفسه ظننتِ أنه بدأ يبتعد عن التدين، وهذا التصور يعثر زواجكما فانتبهي رعاكِ الله.

وقد جاء بالحديث عن النبي ﷺ أنَّه بلغَهُ أنَّ رِجالًا يقولُ أحدُهم: أمَّا أنا فأصومُ ولا أفطرُ. ويقولُ الآخرُ: وأمَّا أنا فأقومُ ولا أنامُ. ويقولُ الآخرُ: أمَّا أنا فلا آكلُ اللَّحمَ. ويقولُ الآخرُ: أمَّا أنا فلا أتزوَّجُ النِّساءَ. فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “لكنِّي أصومُ وأُفطرُ، وأقومُ وأنامُ، وآكلُ اللَّحمَ، وأتزوَّجُ النِّساءَ. فمَنْ رغِبَ عن سنَّتي فليس منِّي”. وقال أيضًا: “إذا أتاكم من تَرضَون دِينَه وخُلُقَه فأنكِحوه إن لا تفعلُوه تكن فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ كبيرٌ”.

حث الرسول صلى الله عليه وسلم على خصلتين هما أهم شيء في الإنسان: الدين والخلق. فطالما رضيت دينه وخلقه وسألتم عنه ولم تروا إلا الجميل منه؛ فلا تترددي بحجة أني أريده متخرجاً من الدورة الفلانية ولديه شهادات شرعية، فوالله لا تعبر بشكل كبير عن صاحبها؛ فكم من أُناس من العامة هم خير بعملهم الصالح ممن لديهم شهادات ومعروفين، فإنما العلم بالعمل.

ولا بأس إذا كان هذا حلمك وتريدين أن يكون بمستواك العلمي؛ لكي تتطابق أفكاركما وأهدافكما؛ لكن لا تجعلي هذا الأمر الهم الأكبر ولا يمكنك التنازل عنه إذا أتى من ترضينه. واعلمي أن طالب العلم يصيب ويخطئ ومثله مثل باقي البشر، والفكرة التي أخذتها عن زواج الملتزمين، وأنهم صائمون قائمون ليلاً نهاراً فهي فكرة خاطئة، فالرسول ﷺ قال لعثمان عندما غلا بالطاعة والعبادة: “يا عثمانَ! أرَغِبْتَ عن سُنَّتِي؟! فإنِّي أنامُ وأُصلِّي، وأصومُ وأُفطِرُ، وأَنْكِحُ النساءَ، فاتَّقِ اللهَ يا عُثمانُ! فإنَّ لأهلِكَ عليْكَ حقًّا، وإنَّ لِضيفِكَ عليْكَ حقًّا، وإنَّ لِنفسِكَ عليكَ حقًّا، فصُمْ وأفْطِرْ، وصَلِّ ونَمْ”.

فعلى العبد حقوق الأهل والزوج والأولاد والضيف والنفس، وكلها إذا احستب بها الأجر، أُجر عليها، حتى الأنثى تؤجر على اهتمامها بنظافة منزلها وترتيبه واهتمامها بأطفالها وتعليمهم، وأداء واجب زوجها وحقوقه عليها. فاحتسبي الأجر بذلك ولا تحرمي نفسك من طلب العلم؛ لذا خصصي وقتاً معيناً لطلب العلم وللقراءة، ولا تنسي حظ نفسك من الاهتمام والعناية والتزين؛ فطلب العلم لا يمنعك من ذلك.

وتذكري مهما كان الرجل عابداً وزاهداً؛ فالنفس لا تخلو من الطباع والرغبات البشرية التي وضعها الله به، النفس لها أهداف عدة، والنفس تقبل ببعض الأحيان وتدبر؛ فليسَ دائماً تقبل على العلم والطاعات بشكل كبير؛ فبعض الأحيان يصيبها الفتور كما قال الرسول ﷺ: “إنَّ لكلِّ عملٍ شِرَّةٌ، ولكلِّ شرَّةٌ فَتْرَةٌ، فمنْ كانْ فترتُه إلى سنتِي فقدِ اهتدى، ومنْ كانتْ إلى غيرِ ذلكَ فقدْ هلكَ”.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة