لا جدال أن الصلاة هي أهم عمل يلزمك تعليمه لأبنائك، فالابن حين يبلغ سبع سنين عليك تعليمه وتعويده على الصلاة، وعليك أن تكون جاداً في هذا الأمر؛ فطفل اعتاد ترك الصلاة أو التقطيع فيها، يصعب عليه غالباً الالتزام فيما بعد.
الجدية لا تعني الشدة ولا العصبية والضرب وما شابهه، فهذه فترة الترغيب والتحبيب، فترة تحتاج إلى صبر منك وحلم وطولة بال؛ فالطفل غالباً في بداية إلزامه بأي أمر -والإنسان عموماً- يستثقله ويود التخلص من قيده، وما أن يعتاده فترة طويلة بلا انقطاع، إلا ويألفه ويصبح عنده كالعادة اللازمة، وطبعاً في أمور العبادات يلزمك غرس بعدها الروحي والعقدي؛ لكن أقصد العادة من باب المعتاد الذي لا يتخلف خاصة في السن الصغير.
فكلما كان سن طفلك صغير حين اعتياده، كلما سهل عليه الأمر وألفه؛ لذلك لا تنتظر حتى وصوله عشر سنين، ثم تأمره بالصلاة، فتضربه عليها لتركها وتقول هكذا علمنا النبي. هذا مدخل فساد عظيم، وليس هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وبالطبع لا تنتظر حتى يكون بالغاً مكلفاً وتأمره بالصلاة؛ فهذا غالباً هو الضياع عينه، وسيصعب عليك حينها ترغيبه، وسيستعصي عليك ترهيبه ولربما أتى بعكس المنشود تماماً.
طفلك في بداية الأمر سيقطّع في الصلاة، بمعنى سيصلي يوم ويوم لا، أو يصلي فرض وفرض لا، وهكذا. الجدية هنا أن تجعله يصلي كل الفروض كل يوم، وأن تحببه في الصلاة، وتشجعه عليها.
حين تكون الأم محافظة على الصلاة ابتداءً، هذا سيسهل عليكم الطريق بنسبة ٧٠٪ تقريباً؛ فستجد ابنك غالباً يحاول الصلاة دائماً ومألوفة ومحبوبة بالنسبة له. يتبقى إصرارك على هدفك في تعويد الطفل على الصلاة بلا انقطاع.
إن كان طفلك ولد، الأفضل أن يذهب للصلاة في جماعة مع أبيه أو جده أو عمه أو أخيه أو حتى ابن عم، من يمكنه اصطحابه للمسجد يفعل، وإن تعذر الأمر تماماً؛ تكون تلك مسئولية الأم إلى أن يستطيع الذهاب بمفرده.
في هذه الحالة تتعامل الأم مع أمر الصلاة بنفس الطريقة، سواء أكان الطفل ولداً أو بنتاً؛ فكل فرض تحرص على إتيان الصلاة في أول وقتها، وتنادي على الصغير أن يأتي ليصليا معاً، وتكون متأنية معه غير متعجلة، صبورة غير متأففة، هادئة، فهي تبذل الوقت والجهد الآن في سبيل تحقيق دعوة {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي}.
مرة بعد مرة، سيبدأ الطفل بالتململ والتذمر والرفض، وهناك حيلة نفسية في هذا الأمر مفيدة جداً: حين تنتهي كل طرق الإقناع، ويظل الطفل على رفضه؛ إياك أن تتركيه، جربي أن تغيري موضوع الحديث، وتحدثي معه عن أمر فعله جعلك فخورة به ثم امدحيه عليه وبالغي قليلاً في الثناء على دينه وخلقه، حتى إذا تجاوب معك، اربطي المدح بالصلاة، واطلبي منه بكل هذا الفخر أن يأتي ويصلي معك حتى نكمل حسن الدين والأخلاق الذي أنت أهله بإذن الله، وحتى لو كنت قد صليت من قبل صلي معه مرة أخرى، وغالباً سيتجاوب معك وسيقوم للصلاة.
امدحيه مرة، أبلغيه ثناء أحد أفراد العائلة على فعل مميز فعله مرة أخرى، ذكريه مرة بالآيات والآحاديث، كافئيه مرة على شجاعته وإقدامه في موقف مر ونسيت مكافأته فيه، ثم بعد كل مرة من هذه اطلبي منه أن يقوم إلى الصلاة، وسيقوم بإذن الله.
أهم ما في الأمر ألا ينقطع عن فرض طالما أمكنك ذلك، أما إن تهاونت في حرصك على صلاته في بداية تعويده؛ ستفقد الصلاة مع كل مرة جزء من هيبتها وأهميتها في نفسه، حتى ولو بسيط؛ لكن التكرار يعظم ذاك التهاون.
هذا حق ابنك، إن قصرت فيه؛ فقد ضيعت الأمانة. وهنا يحضرني قول ابن القيم رحمه الله: (الصبي وإن لم يكن مكلفاً فوليه مكلف لا يحل له تمكينه من المحرم؛ فإنه يعتاده، ويعسر فطامه عنه).
فاستعينوا بالله، وأخلصوا النوايا، وأوقدوا العزم، ولا تفرطوا.
_سنا برق